للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك تنحصر أسباب ثبوت الديون في ذمة من يتحملها في أحد ثلاثة أسباب هى: التعاقد، الإرادة المنفردة، الضمان.

يتبين مما سبق أن ما يقبل الثبوت في الذمة من أموال إنما يرتبط بالسبب الموجب لذلك الثبوت. ففي حالة الشراء مثلا، فإن ما يثبت في الذمة هو ثمن الشيء المشترى، وهو غالبا من الأثمان كذا دينار أو كذا ريال، أما الدين الناشئ عن السلم فإن ما يثبت الذمة هو الشيء المسلم فيه مثل مائة طن من القمح أو ألف إردب من الأرز. أما القروض فقد تكون نقودًا، وقد تكون سلعا مثلية مما يقبل الإقراض كالقمح والشعير والأرز.

أما ديون ضمان المتلفات فإن الأصل أن يرد الشيء بمثله، فإذا تعذر رد الأصل فإنه يصار إلى البدل، والبدل هو في العادة قيمة الشيء.

وأما ديون المستحقات، فإنها تكون تابعة لموجب الاستحقاق، فالزكاة عن النقود مثلا تستحق نقودا.

ثانيًا – التمييز بين الديون والأعيان المالية:

أوضح الشيخ مصطفى الزرقاء عند تناوله مسألة التمييز بين الديون والأعيان المالية أنه يترتب على هذا التمييز نتائج هامة في الأحكام الفقهية العملية أهمها ما يلي:

١ – الديون أمور اعتبارية محلها الذمم وليس لها وجود خارجي، أما الأعيان المالية فهي أموال ذات وجود خارجي.

٢ – الديون لا يكون محلها إلا مالا مثليًّا وذلك لأن المال المثلي هو الذي يقبل الثبوت في الذمة، وهناك أموال قيمية تنضبط بالوصف كالأقلام المصنعة آليًّا، فإنها تأخذ حكم المال المثلي. كما استثنى الفقهاء المهر في عقود النكاح حيث أجازوا أن يكون الدين فيه من الأموال القيمية.

٣ – الديون الثابتة في الذمم لا تقبل القسمة إلا بعد أن تقبض، فلا يحق لأحد الشركاء في الدين المشترك أن يستأثر بما قبضه من الدين في مقابل حصته بل يكون لشركائه في الدين أن يقاسموه في المقبوض بحسب حصصهم.

٤ – الديون في الذمم لا تعتبر محلا صالحا لعقود التمليك والمعاوضة.

٥ – عقد الحوالة لا يجري إلا في الديون دون الأعيان لأن الأعيان إنما تستوفى بذواتها لا بأمثالها.

٦ – الديون يجري فيها التقاص، وبذلك فإنها تقضى بأمثالها، أما الأعيان فلا تجري فيها المقاصة فإذا ثبت للمدين عند الدائن مثل ما للدائن عليه جنسا وصفة واستحقاقا تقع المقاصة حكما، وذلك بخلاف ما لو كان لشخصين عين مغصوبة لكل منهما عند الآخر وهما متماثلتان، فإن لكل منهما أن يطالب الآخر بالعين التي تخصه حيث لا تقع المقاصة بينهما.

٧ – الإبراء إنما يتعلق بالديون ولا يتعلق بالأعيان وذلك لأن الإبراء إسقاط وملكية الأعيان لا تقبل ذلك.

٨ – إن الدعوى بالعين لا تقام إلا على ذي اليد، أما الدعوى بالدين فإنها يمكن أن ترفع على غير المدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>