للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا يمكن للناظر فهم كلام الإمام الشافعي بأن الله – سبحانه وتعالى – قد ذكر البيع في غير موضع من كتابه الكريم بما يدل على إباحته فاحتمل أن يكون هناك معنيان:

أحدهما: أن يكون الله – سبحانه وتعالى – أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما، وهذا أظهر معانيه.

والثاني: أن يكون الله – عز وجل – أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله – عز وجل – معنى ما أراد، فيكون هذا من الجمل التي أحكم الله فرضها بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه أو من العام الذي أراد به الخاص. . . أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ومنه وما في معناه. (١)

فأصل البيوع – كما يقول الإمام الشافعي – كلها مباح إذا كانت برضى المتبايعين الجائزي التصرف في الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان في معنى ما نهى عنه. (٢) .

فالبيع إذن هو مطلق المبادلة تمليكًا وامتلاكًا، ومحله هو ما يقع عليه التعاقد.

فما هي أقسام هذا المحل؟

الفرع الثاني – تقسيم البيع من حيث المحل:

ينقسم البيع من حيث محله أي الشيء المعقود عليه إلى أربعة أقسام، وذلك وفق ما بينته مجلة الأحكام العدلية في المواد ١٢١ – ١٢٣، وهذه الأقسام هي:

أ- بيع المال بالثمن أي مبادلة المثمنات بالأثمان، وذلك مثل بيع السيارة بعشرة آلاف دولار، وهذا القسم هو أشهر أنواع البيوع وهو الذي يسمى بيعًا عند إطلاق الوصف (م ١٢٠) .

ب- بيع النقد بالنقد وهو المسمى بالصرف كما عرفته المادة ١٢١) من مجلة الأحكام العدلية، ويخضع هذا البيع لأحكام الصرف من حيث اشتراط المماثلة عند اتحاد الجنس مع الفورية في تقابض البدلين (كالذهب بالذهب مثلاً) ، وكذلك اشتراط الفورية لتقابض البدلين فقط عند اختلاف الجنس (كالذهب بالفضة والدولار بالريال) .

ج – بيع العين بالعين وهذه هي المقايضة أي مبادلة المال بالمال من غير النقدين حسب تعريف المادة (١٢٢) .

د – بيع السلم وهو مبادلة آجل بعاجل أي بيع مؤجل بمعجل حسب تعريف المادة (١٢٣) .

ويدل هذا التقسيم أن البيع رغم أنه مباح في الجملة إلا ما يندرج تحته من أقسام إنما يخضع للشروط التي تخص كل عقد بحسب طبيعته.

فالتبادل في البيع المطلق يجيز مثلاً تعجيل الثمن أو تأجيله أو تقسيطه، أما في بيع السلم فإنه لا بد من تعجيل أداء رأس المال.

فإذا كانت الحالة بيع صرف؛ أي بيع نقد بنقد، فإنه يشترط هنا الفورية في تقابض البدلين إذا اختلفا جنسًا؛ كالذهب بالفضة، والدولار بالدينار. أما إذا اتحد الجنس كالدينار بالدينار والدولار بالدولار، فإنه يشترط قيام المماثلة مع فورية التقايض فلا تباع المائة دولار بتسعين ولا بمائة وعشرة.

فالقول بحل البيع إذن يعني جواز المعاملة، ولكن في حدود ما أحل الله ورسوله حيث يختلف حكم البيع باختلاف محله حسب التفصيل الذي سنبينه عند الكلام عن شروط المحل، وما يتفرع عن ذلك من تفريق بين بيع الدين للمدين، وبيعه لغير من هو عليه الدين.


(١) انظر الإمام الشافعي، كتاب الأم، المجلد الثالث، الجزء السادس، الطبعة الأولى (دمشق: دار قتيبة ١٩٦٢) ، ص٥-٦.
(٢) انظر الإمام الشافعي، كتاب الأم، المجلد الثالث، الجزء السادس، الطبعة الأولى (دمشق: دار قتيبة ١٩٦٢) ، ص٥-٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>