تحتاج الدولة إلى التمويل كما يحتاج الأفراد ولاسيما الدولة المعاصرة حيث تعتبر إدارة الخدمات والمرافق العامة وتسيير المؤسسات العامة والمؤسسات الأهلية كالأوقاف جزءًا من المسؤولية التي تضطلع بها الحكومات تجاه مواطنيها. فالدولة الحديثة لم تعد حارسًا للأمن وقاضيًّا للخصومات بين الناس فحسب، بل هي راعية للخدمات العامة والرفاه والتنمية.
وقد جرى العرف المخالف للشرع في معظم دول العالم أن يكون تمويل الدولة الحديثة لمختلف الاحتياجات تمويلاً ربويًّا بسندات تصدر على الدولة كقرض مقابل فائدة ثابتة أو متغيرة. وتختلف صور هذا الاقتراض وتسمياته من السندات إلى شهادات الاستثمار ذات العائد الجاري أو القيمة المتزايدة أو ذات الجوائز مع اجتماع بعض المزايا أو انفرادها.
والضابط الذي يفترق فيه الاقتراض الربوي عن سندات الاستثمار الفعلي هو الوصل أو الفصل، فإذا كانت السندات الصادرة دينًا على الدولة وكان العائد يعطي لها كجزء من خدمات الدين العام أي بصورة تكلفة من باب النفقات في الموازنة العامة، فإنها تعتبر سندات ذات فائدة ربوية حرام. أما إذا كانت هذه السندات ممثلة في موجودات معينة لإنشاء مشروع يعطي عائدًا أو لامتلاك مرفق له دخل أو إيجار أو لتمويل صفقة لها ربح، فإن هذا العائد أو الدخل أو الإيجار أو الربح لا يعتبر من الربا ولكنه مورد كسب حلال. فالربا ينبت في أحضان القرض عندما تكون العلاقة هي الدائنية والمديونية وزيادة مشروطة شرطًا أو معروفة عرفًا يدفعها المدين للدائن.
وتصدر الحكومة في الغالب سندات قصيرة الأجل تسمى أذونات الخزينة، أما السندات فهي أطول أجلا حيث تصل المدة أحيانا إلى خمسة عشر عاما.
ومما يلاحظ بأسف أن غالبية الدول الإسلامية واقعة في أسر الدين العام سواء كان ذلك الدين داخليا أم خارجيا.
وتحرص الحكومات الحصيفة بالمقاييس المالية المجردة على تقييد إصدارات الدين العام من أذونات الخزينة والسندات بقيود قانونية، وذلك لأن الإغراق في إصدارات الدين العام بما يزيد عن معدل الإيرادات العامة يهز الكيان الاقتصادي، ويضعف القوة التبادلية للعملة الوطنية، فتخفض قيمتها وترتفع أسعار الحاجيات، ويعاني المجتمع ولا سيما الفقراء ومحدودي الدخل من تلك الآثار السلبية.
ونأخذ على سبيل المثال نموذجا من القيود التي نص عليها قانون الدين العام الأردني لعام ١٩٧١ م كمنهج حريص في الاقتراض العام حسب المفهوم التقليدي.