للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني

البدائل الشرعية في تمويل مشروعات

القطاع العام والخاص

لم تعد قضية السندات ذات الفوائد الربوية مشكلة أمام الفكر الإسلامي المعاصر، فقد تقدمت الدراسات وقدمت الحلول، وكل ما يحتاجه الأمر هو الانتقال من النظرية إلى التطبيق. ويجد الناظر عند البحث أنه في مقابل ضيق المخالفة توجد سعة الطاعة، وبدلا من سند القرض الربوي الوحيد هناك أدوات التمويل المتعددة بصورة سندات المقارضة، والمشاركة والإجارة والبيوع بأنواعها، وذلك حسبما هو مفصل في الفروع التالية:

الفرع الأول – سندات القراض (المضاربة) :

يعتبر لفظا القراض أو المضاربة أنهما كلمتان لنفس المسمى والمدلول من حيث المعنى المراد، ذلك أن معنى القراض والمضاربة هو المشاركة بين مال من طرف، وعمل من طرف آخر، وربح مقسوم بينهما بالنسبة الشائعة إذا حصل ربح وخسارة موزعة بنسبة رأس المال إذا وقعت مثل هذه الخسارة دون تعد من المضارب ولا تقصير ولا مخالفة.

وقد درج الاصطلاح الفقهي لدى المالكية والشافعية على استعمال لفظ القراض، بينما شاع استعمال كلمة المضاربة عند الحنفية والحنابلة والإمامية والزيدية (١) .

ويرجع أصل مشروعية هذا التعامل – فيما يظهر للناظر في المؤلفات الفقهية – أنه كان مما يتعامل به الناس في الجاهلية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أقره كما أقر الشروط التي دفعت إليه مما كان يشترطه أرباب الأموال مثل شروط العباس بن عبد المطلب (٢) .

وبذلك يكون دليل صحة هذا العقد مستندا إلى السنة التقريرية والإجماع. فقد نقل ابن قدامة الإجماع في كتابه (المغني) بقوله: وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة – ذكره ابن المنذر (٣) .

أما حقيقة عقد المضاربة (القراض) وما يمكن أن يشمله هذا العقد من أعمال، فإن ذلك يدخل في نطاق دائرة الاختلاف الفقهي الجميل.

فقد اتجه الفقه الحنفي ومعه الأكثرون من فقهاء المذاهب الأخرى إلى اعتبار المضاربة أنها من جنس المعاوضة كالإجارة، وبناء على ذلك فقد قرروا أن جهالة الأجر تجعل من هذا العقد أنه وارد على خلاف القياس.

وترتب على ذلك القول تضييق نطاق المضاربة وحصرها في المتاجرة برأسمال يبدأ نقودا ليتحول بضاعة جاهزة لتباع ثم تعود نقودا كما بدأ العقد من الأساس.

وكان هذا المفهوم هو السائد غالبا في الفقه الحنفي والإمامي والشافعي والزيدي، وإن كان هناك من الأحناف من توسع قليلا مثل صاحب (المبسوط) في المجال الزراعي باعتبار أن الزراعة تجارة مع الله فيما يرزق به، فهو يصف الحال بعبارة لطيفة بقوله: إن المضارب يبذر الحب وينتظر الرزق من الرب (٤) .

وفي مقابل الحصر الذي ذهب إليه الفقه الحنفي ومن تماثل معه في القول، نجد مداخل اليسر والتوسعة عند فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل لتفسح الطريق أمام المضاربة على أساس اعتبارها من جنس المشاركات. وقد جلى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية هذا المعنى باعتبار أن المشاركات جنس غير جنس المعاوضات وإن كان فيها شوب المعاوضة (٥) .


(١) انظر: على سبيل المثال: المالكية: مدونة الإمام مالك بن أنس – كتاب القراض الشافعية: كتاب الأم – الجزء الرابع – باب القراض. الحنفية: الميرغيناني – الهداية – كتاب المضاربة. الحنابلة: ابن قدامة-المغني-الجزء الخامس. الإمامية: الشقرائي – مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة – باب المضاربة.
(٢) انظر: السنن الكبرى للبيهقي: ٦ / ١١١، مرجع سابق.
(٣) انظر: عبد الله بن أحمد بن قدامة: المغني، الطبعة الثالثة: ٥ / ٢٢، القاهرة، دار المنار، ١٣٦٧ هـ.
(٤) انظر: شمس الدين السرخسي، كتاب المبسوط: الطبعة الثانية: ٢٢ / ٧٢ – ٧٣، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، دون تاريخ.
(٥) انظر: أحمد بن تيمية، القواعد الفقهية النورانية، الطبعة الأولى، تحقيق محمد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، ١٩٥١م، ص ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>