وقد أثبتت الوقائع والنوازل دقة النظرة في الفقه الشافعي والحنبلي وتفوق هذا الرأي على ما ذهب إليه الفقه الحنفي في هذه المسألة ولا سيما عند تطبيق مسألة ضمان منافع المغصوب. فقد ذهب المتقدمون من الحنفية إلى القول بعدم ضمان منافع المغصوب لأن المنافع ليست أموالاً مما شجع الإقدام على الغصب، فكان أن عدل المتأخرون وقالوا بالاستثناء على سبيل الاستحسان – في منافع الغصب لمال اليتيم ومال الوقف والأموال التي تكون معدة للاستغلال.
وبناءً على ذلك فإن المؤسسات الحكومية وكذلك الشركات المساهمة يمكنها أن تطرح سندات إيجارية بهدف استئجار طائرات مثلاً أو معدات ثقيلة لمدة زمنية متوسطة (٧ سنوات مثلاً) ، وذلك على أساس الوعد باستئجار هذه الأشياء بأقساط ربع سنوية، وبقيمة أعلى بحيث يتحقق لمالك السند ربح مناسب.
وهذه السندات الإيجارية هي أيضًا من السندات التي تقبل التداول باعتبار أن المنافع كالأعيان من حيث اعتبارها أموالاً.
الفرع الرابع – سندات التمويل:
تقوم هذه السندات على فكرة تمويل البيوع في المرابحة للآمر بالشراء، ويمكن أن تتوسع لتشمل بيوع السلم أو الاستصناع والتوريد. ونبدأ بتفصيل سندات المرابحة للآمر بالشراء؛ فلو كان الطالب هو الدولة أو المؤسسة الحكومية، فإنها تعلن عن رغبتها في شراء شيء بسعر كذا مع استعدادها لشراء ذلك الشيء بثمن الكلفة، وزيادة هامش ربح معين مع بيان مدة السداد.
وعندما تطرح السندات للبيع ويتم الاكتتاب فيها، فإن هيئة مالكي السندات تستطيع أن تقوم بشراء ما هو مطلوب ثم بيعه لجهة الطلب، كما تتولى قبض الأقساط وتوزيع الحصص على المالكين.
فإذا كان الشيء المطلوب شراؤه مما يتم استصناعه فإن الدفع يتم حسبما يتضمنه دفتر الشروط وبموافقة جهة الطلب، ويكون الاستصناع هنا مركبًا. وكما أن المضارب يضارب كذلك فإن المستصنَع (بفتح النون) يستصنِع (بكسر النون) .
ومشكلة هذا النوع من السندات سواء كان ناتجًا عن بيع مرابحة أم استصناع أنه مبني في المآل على الديون. وإن سند الدين كما هو معلوم وكما بينا في هذا البحث لا يجوز بيعه إلا بالمثل وبالتقابض.
ويتمثل الحل هنا – بالنسبة لغايات التداول – أن تكون سندات الديون جزءًا من محفظة شاملة لسندات المقارضة والمشاركة والمنافع بحيث تكون نسبة الديون في هذه المحفظة هي الأقل، وتكون الغلبة للأعيان والمنافع.
وبذلك يمكن أن تجد الدولة ومؤسسات القطاع العام والشركات المساهمة من القطاع الخاص البدائل الشرعية للتمويل في مختلف الاحتياجات.