وقد ذكر كثير من المحدثين أن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد! لأن مداره على موسى بن عبيدة الربدي، الذي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: إنه لا تحل الرواية عنه. ولكن قبل الفقهاء مضمون هذا الحديث إما لأنه تعلل بطريق آخر، أخرجه عبد الرازق في مصنفه من طريق إبراهيم بن أبي يحي الأسلمي الذي ضعفه أكثر المحدثين، ولكن أكثر عنه الإمام الشافعي ووثقه في الرواية وكذلك وثقه ابن عقدة الأصبهاني وآخرون. وإما لأن هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول بما يفيد ضعفه. وقد تكلمت في بحثي عن إسناد هذا الحديث في أقوال المحدثين.
وعلى أساس هذا الحديث منع جمهور الفقهاء جميع صور بيع الدين بالدين، وأجاز المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم – رحمهما الله تعالى -. . . وقد فصل ذلك الدكتور نزيه حماد في بحثه.
وقد ذكر فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري، الذي اطلعت على بحثه متأخرًا جدًّا فلم أستطع أن أمعن النظر فيه ولكن لمست منه، أن الراجح عندهم في بيع الدين بالدين عدم الجواز. ومع أن الغرض من هذه الدراسة لا يتعلق كثيرًا بهذه الصور لبيع الدين بالدين فأكتفي في هذا الموضوع بهذا الشرح.
والصورة الثانية لبيع الدين أن يبيع الدائن دينه للمديون نفسه، فهو الذي يعبر عنه الفقهاء بـ (بيع الدين ممن هو عليه) . وهذا ما أجازه جمهور الفقهاء.
ولا يخفى أن جواز هذا البيع يخضع لجميع الشروط العامة التي تشترط لجواز البيع، فعليه يشترط لجوازه أن يكون المبيع مقبوضًا للبائع، فإنه يشترط في بيع الدين أيضًا فلا يجوز بيع المسلم فيه لأنه مبيع ولا يجوز بيع المبيع قبل القبض. وهو عند الشافعية والحنفية والحنابلة. وقد أجاز المالكية وبعض الحنابلة بيع المسلم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته بثمن المثل أو دونه لا بأكثر منه للابتعاد عن الربا.
وكذلك إن كان الدين وعوضه ربويين يشترط في جواز بيعه التماثل، ولذلك منع أكثر الفقهاء (ضع وتعجل) إذ كانت مشروطة أما إذا تنازل المدين عن بعض دينه بدون اشتراط سابق فهذا لا مانع منه.
وكذلك إذا أراد البائع أن يبيع دينه بثمن أكثر مؤجل، فهذا عين الربا، وهو في معنى (أتقضي أم تربي) وقد نزل بحرمته القرآن الكريم. ولكن معنى جواز بيع الدين ممن عليه الدين مثل أن يقول المديون: اشترِ مني هذا الثوب بدينك عليَّ، فهذا جائز.
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الصورة، فذهب الحنفية والحنابلة والظاهرية إلى أن بيع الدين من غير المديون لا يجوز أصلاً.
أما المالكية فقد أجازوا ذلك بشروط وهي:
١- أن يكون المديون حاضرًا لا غائبًا.
٢- أن يكون المديون مقرًّا بالدين.
٣- أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه، فلا يجوز بيعه إذا كان طعامًا، فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه.
٤- أن يباع الدين بغير جنسه، أما إذا بيع: بجنسه فلا بد من التساوي، كما صرح به الدسوقي، رحمه الله.
٥- أن لا يباع دين الذهب بالفضة أو بالعكس، لكونه صرفًا وانعدام التقابض.
٦- أن لا يكون بين المدين ومشتري الدين عداوة، حتى لا يكون في البيع إعنات للمدين بتمكين عدوه منه.
٧- أن يكون المدين ممن تأخذه الأحكام ليمكن تخليص الحق منه عند القاضي إذا امتنع عن الأداء.
والقول بهذه الشروط السبع الذي صرح بها فقهاء المالكية إنما أرادوا بها أن تخرج العملية عن الغرر وشبهة الربا وإثارة الفتن.