للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور محمد علي القري:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة على رسول الله. أما بعد، فإني أقدم شكري الجزيل لفضيلة القاضي الشيخ تقي العثماني على تلخيصه الممتاز لهذه البحوث فقد أنصف نفسه وأنصف إخوانه الباحثين.

وعندي بعض الملاحظات التي أبدؤها بالرد على أخي الدكتور صالح المرزوقي فيما أشار إليه من الملاحظات على بحثي، فشكرالله له على قراءته ولو أنه يظهر أنه قرأه قراءة مستعجلة.

بالنسبة لما ذكرناه من صكوك فقد بينت أن الصكوك هي (التواقيع السلطانية بالأرزاق) وليست ديونًا نقدية، كما فهم من كلامي. ثم أشرت إلى أن النهي عن بيع الصكاك الذي ورد في الآثار المذكورة إنما هو واقع على البيع الثاني، لأن الذي خرج له الصك مالك ملكًا مستقرًا وليس هو بمشتغل بل موهوب، فلا يمتنع عليه البيع قبل القبض، لأن النهي إنما جاء في منع بيع الطعام قبل القبض إذا كان ملكه بشراء. وقال: أين المراجع؟ وفي الحقيقة المراجع موجودة أسفل الصفحة.

وأيضًا أشار – حفظه الله – إلى مسألة الأسهم، والذي اعتمدت عليه في هذا هو قرار المجمع الفقهي الذي ينص على: (أن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة) ، هذا هو نص القرار، والجملة التي تلي ذلك هي إذا كانت هذه الموجودات من المعدات والغفار وما شابه ذلك جاز أن تكون مما يباع بالأجل) . فقول الأخ الشيخ المرزوقي بأني لم أبين هذا غير دقيق لو أنه قرأ ما جاء بعد هذا الكلام لتبين له ذلك، وأما ما ذكره عن كلام الشيخ الضرير فهو منقول من كتابه (الغرر) ، وقد أخبرني الشيخ الضرير – حفظه الله – بأنه قد قرأ بحثي وأنه يوافق على كل ما جاء فيه.

إن السؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: ما الباعث على النظر في هذه المسألة؟ وهل نحن بحاجة إلى صيغة لبيع الدين؟

أما الباعث على النظر في هذه المسألة فهو كثرة المداينات في حياتنا المعاصرة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشركات، حيث إن الناس يشترون منازلهم وسياراتهم وأثاث بيوتهم وغير ذلك بالتقسيط الذي يولد هذه الديون، والشركات تقترض لتمويل عملياتها التشغيلية وعملياتها الاستثمارية وتفضل القروض على المشاركات لأغراض ضريبية، والحكومات تستدين لأغراض التنمية ولسد الحاجات الطارئة، وأضحت حاجة المسلمين اليوم إلى صيغة مقبولة من الناحية الشرعية للتصرف بالديون من قبل الدائنين حالة طارئة مدروسة من جهتين:

الأولى: لكي تكون عندنا صيغة بديلة عن أنواع بيوع الدين القائمة على الربا والتي انتشرت في عالم الاقتصاد اليوم، وقد بلينا بهذه الديون.

الثانية: لأن وجود صلة مشروعة للتصرف بالدين من قبل الدائن تزيد من كفاءة الاستثمارات المالية الإسلامية، لأنها تمكن من الاستغلال الأمثل للسيولة الفائضة عن الحاجة لدى المؤسسات المالية الإسلامية ولدى صناديق الاستثمار. كما أنها تيسر سبل تمويل الاستثمارات طويلة الأجل. وإن البنوك الإسلامية كثيرًا ما تضطر إلى التركيز على الاستثمارات قصيرة الأجل كتمويل التجارة ونحو ذلك، ولا تدخل في الاستثمارات طويلة الأجل، مثل بناء المساكن والمشاريع الكبرى؛ لأنَّ هذا التمويل يمتد إلى أجل طويل قد يبلغ عشرين سنة أو أكثر من ذلك، ولا يمكن لمؤسسة مالية أن تدخل في مثل هذا وهي تعدم طريقة للتصرف بالدين.

والسؤال الثاني هو: هل يوجد لدينا صيغة مشروعة لبيع الدين تكون خالية من الربا والغرر، وفي الوقت نفسه تكون قابلة للتنفيذ وللتطبيق العملي وقادرة على النهوض بحاجات الناس إلى التصرف بالدين بطرق مباحة؟

والجواب نعم، وقد فصلت الأوراق التي بين أيديكم هذا البديل من أوجهه المختلفة بما لا مزيد عليه، وهي تقوم بصفة أساسية على بيع الدين النقدي للعروض الحاضرة، وبيع الدين السلعي من غير الطعام بالنقود، فيمكن عندئذ لمؤسسة مالية أو تجارية أن تبيع الديون المستحقة لها في ذمم الناس إلى طرف ثالث بالسلع والبضائع، كما يمكن للحكومة مثلاً أن تصدر سندات دين سلعي فتبيع على أساس السلم سلعة موصوفة في الذمة، وتحصل على النقود مع اطمئنان حامل السند من أفراد وبنوك إلى إمكانيات السيولة ببيعة قبل الأجل على رأي المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>