أما إصدار السندات بدون فائدة – وقد أشار إليه من سبقني بالحديث – فقد يبدو غريبًا، ورب قائل من يساهم في هذه القروض وهي بلا فائدة ولا عائد مالي؟!
الواقع أن بعض البلدان تصدر سندات ذات فائدة متدنية يسمونها (سندات التنمية) أو ما إلى ذلك، وهي تخاطب في الناس وطنيتهم للمشاركة فيها، فيشاركون مع قدرتهم على شراء سندات دين عادية تصدرها الحكومة بنفس القدر من المخاطبة. وكذلك فقد أصدرت بعض الدول سندات سلفية، كان هذا موجودًا فيما مضى في الولايات المتحدة وهو اليوم موجود في روسيا وغيرها من البلدان حيث تصدر سندات الدين بالسلع لا بالنقود.
ورب قائل ما الفرق بين هذه الصيغة وبين الصيغة المعهودة لبيع الدين وهي حسم الكمبيالات وتداول سندات الدين، وفيها يباع الدين النقدي قبل أجله بأقل من قيمته الاسمية لغير من هو عليه بالنقود؟
والجواب عن ذلك: أن من كان له دراية في أمور الاقتصاد أدرك أن الطريقة الأولى القائمة على حسم الكمبيالات مرات عديدة وتداول سندات الديون تولد اقتصادًا ينشعر إلى قطاعين: قطاع مالي، وقطاع حقيقي، أما الأول فإن الفعاليات والمعاملات فيه تقتصر على الديون التي يجري تداولها بمعزل واستقلال عن السلع الحقيقية.
أما القطاع الثاني فهو قطاع الإنتاج الحقيقي، قطاع إنتاج السلع والخدمات، حيث تتولد الأرباح الحقيقية. هذا الانقسام الذي هو سمة الاقتصاديات الرأسمالية المعاصرة هو أساس البلاء في يومنا هذا. لأنه يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويؤدي إلى نزوع الاقتصاديات إلى الدورات الاقتصادية الحادة كما نشاهده في دول العالم اليوم، ذلك لأن القطاع المالي يمتص الأرباح التي يولدها القطاع الحقيقي، ولن يخالفنا في ذلك خبراء الاقتصاد الغربيين، فطالما ذكروا أن هذا هو أساس بلاء الاقتصادات المعاصرة.
فإذا كانت الديون لا تتداول بالبيع إلا بمقابل سلع حقيقية لم يعد هذا التسامح موجودًا في النظام الاقتصادي، فظهر تميز نظام اقتصادي إسلامي عن الأنظمة الأخرى. ولا يترتب على بيع الدين بالسلع الفساد الذي نشاهده في الأنظمة الاقتصادية المعاصرة والذي يولده بيع الدين بالفائدة الربوية.
سيادة الرئيس، حريٌّ بهذا المجمع الموقَّر أن يظهر للعالم جانبًا من محاسن هذه الشريعة، ودليلاً وشاهدًا على أنها ما أغلقت بابًا للحرام إلا وفتحت أبوابًا للمباح، والحلال بتبني هذه الصيغة المحكمة لبيع الدين الذي تتحقق منها المصلحة الاقتصادية ولا تؤول إلى أي من المفاسد التي تولدها صيغ البيع القائمة على الربا، وفي الوقت نفسه النص على حرمة ما يجري في أسواق المال المعاصرة من بيوع الدين بالربا، سواء كانت تجري بالفائدة الصريحة أو تحت ستار استخدام أسماء توحي بالحل مثل قولهم: الكمبيالة الإسلامية وما إلى ذلك.