للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المسألة، مسألة الاستصناع هي مسألة جائزة عند مالك وليس فيها شيء يدفع، لم يدفع لا ثمن ولا مثمن، لكنه يشترط أن يكون المتعاقد معه من أهل الصنعة، وأن يشرع فورًا أو في الأيام اليسيرة التي تلي ذلك. وقيل: إن هذه مسألة لا يحملها قياس وإنما استحسان واتباع، وقال سحنون: لا تحتمل الأصول. وقد منعها عبد الملك في الثمانية.

معنى ذلك أن هذا البيع وإن كانوا أجازوه، وقالوا إنه ليس من الكالئ، لأنه ابتداء دين وليس من الكالئ فإنهم كروا على ذلك بشبه النقض حيث لم يجيزوه إلا في مسائل معينة ومحددة. لكنني رأيت بعض الإخوان توسعوا في مسألة بيع الدين بعين أو بشيء معين أو بمنافع معين، في الحقيقة الذي جاء به العلماء بمنافع معين وليس بمنافع معينة، المنافع لا تعين إنما المعين الذي تجتني منه المنافع أو تؤخذ منه المنافع، وإن كانت المنافع لم يجزها ابن القاسم إلا في حالة الضرورة، إذا كان في صحراء يمكن أن يؤجر دابة بدين وقال: هذه ضرورة.

هذه القضية لعلها فهمت خطأ. في الحقيقة أنه يجوز له أني بيع الدين بسلعة معينة يتأخر قبضها، ومعنى تأخر القبض أن تكون غائبة مثلاً وليس معنى ذلك أنها آجلة، لا يجوز أن يبيع دينًا بدين مؤجل سواء كان عينًا أو نقودًا، فإن ذلك لا يجوز وهذا أمر مجمع عليه.

في الحقيقة رأيت بعض الإخوان هنا أخذ هذا الكلام وهو بحث جيد للدكتور محمد علي القري وقال: بالحل الإسلامي، فالدائن إذا أراد أن يستعجل دينه قبل أجله يمكن له أن يشتري عرضًا من بائع بالأجل ثم يحيله بالثمن على ذلك المدين. هذا القبض أعم من التأجيل والمراد هو القبض فقط، لتأخر القبض وليس بالأجل، بالأجل هذا لا يجوز بالإجماع.

وهنا مسألة مهمة جدًّا وهي إذا كان في مسألة الإجماع فإنه لا يجوز أن نتجاوزه. فقد ذكر بعض علماء الأصول، وأنتم تعلمون ذلك، أن الإجماع له قادح واحد هو إثبات الخلاف. أما كون حديث " الكالئ بالكالئ" لم يصح عند المحدثين لكن أخذ الفقهاء به يصححه وأنتم تعلمون ذلك، وكم من إجماعات نعمل بها لا مستند لها، لأنه قد يكون مقدرا كعدم ضمان عامل القراض، وعدم جواز التعاقد على ربح معين، وحتى الزيادة في القرض ليست من باب انظرني وأزدك حديثها لم يثبت ((كل قرض جر نفعًا)) لم يثبت عند المحدثين، إلا أن الإجماع انعقد على أن أي زيادة ولو كانت نصف حبة لا تجوز. ومستنده عند ابن رشد في المقدمات القياس، وعند الرازي الجصاص شمول آية الربا له. فربا الجاهلية صنفان.

إذن الإجماع لا يقدح فيه إلا بادعاء الخلاف. لذلك أرجو أن نقف إذا وجدنا جدار الإجماع أمامنا فلا نستطيع أن نظهره ولا نستطيع أن ننفيه أيضًا، لا بد أن نتوقف قليلاً.

بالإضافة إلى ما ذكرته هذه السندات هل هي أوراق مالية؟ سألت عن هذا بعض الإخوة خصوصًا الدكتور محمد علي، هل هي أوراق متمولة كأوراق النقود التي نبيع بها أم هي وثائق فقط والمبيع هو الدين؟ هذه السندات أيضًا كذلك الأسهم هل هي حصص شائعة ونكون قد بعنا حصة شائعة بدون تحديد البديل بشكل واضح؟ كل هذا يجعل القضية معقدة، فلا أقترح شيئًا جديدًا، أقترح فقط أن تبحث قليلاً، وكل ما لاح لنا لائح " أجمعوا " حتى ولو لم نجد مستندًا، لأن الإجماع يقدر له مستنده ولو لم يذكر، وقد يستند إلى قياس، الشافعي يقول: نعمل بالإجماع حتى لو لم نستند إلى شيء. قال ذلك في الرسالة بشكل واضح. قال: لأنهم لا تغيب عنهم السنة جميعًا.

فأرجو أن نتريث في هذا، وأن نبحث هذه القضية من جديد بحثًا معمقًا في لجنة مصغرة تراجع كل ما ذكر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>