للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- خطورة المضاربة في العملات: من الواضح أن للمضاربة آثارًا سلبية مدمرة سنعرض لها في فقرة مستقلة قادمة، لكن ما نقصده هنا هو الإشارة إلى أن عمليات المضاربة وخاصة في العملات لم تعد مجرد عمليات فردية صغيرة لا تحدث أثرًا يذكر بقدر ما تستفيد مما يحدث بفعل عوامل أخرى، وإنما أصبحت من الضخامة بمكان من جهة، وتأخذ هي المبادرة صانعة في السوق ما تريد٠ من جهة أخرى، وتمارس من خلال مؤسسات تنافس اليوم بقوة المؤسسات الإنتاجية، بل كثيرًا ما تتغلب عليها وتجعلها طوع إرادتها. وقد هيأ لها ذلك ضخامة الأرباح المحققة، وكذلك عدم تحملها تكاليف تذكر، كما أنها اخترعت من الأساليب والعمليات ما يغيرها الإغراء الكبير على ممارسة ذلك السلوك، حيث المزيد من التحوط والحماية ضد المخاطر، وحيث الدفع الجزئي أو الصوري، وحيث التكرار السريع الخاطف في عمليات البيع والشراء، وغير ذلك من الصيغ والأساليب التي تشيع داخل بورصات العملة (١) ، يضاف إلى ذلك صعوبة سيطرة الدولة على قيمة عملتها في ظل الاتجاه السائد للتعويم حتى وإن كان موجهًا. وفي ذلك يقول مؤلفا (فخ العولمة) (٢) : "عبر البورصات والمصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار المالي وصناديق معاشات التقاعد دخلت مسرح القوى العالمية طبقة سياسية جديدة لم يعد بوسع أحد أيًّا كان، سواء كان دولة أو مشروعًا أو مواطنًا عاديًّا التخلص من قبضتها، إنها طبقة المتاجرين بالعملات والأوراق المالية الذي يوجهون بكل حرية سيلاً من الاستثمارات المالية يزداد سعة في كل يوم، ويقدرون بالتالي على التحكم في رفاهية أو فقر أمم برمتها دونما رقابة حكومية تذكر.

كل هذا يجعل الربح عاليًا من جهة والتكلفة منخفضة من جهة أخرى، وفي هذا ما فيه من الحافز على ممارسة هذه اللعبة، مهما كان فيها من مضار على بقية الأطراف. ويصور لنا مؤلف (لعبة النقود الدولية) صورة قد تكون بدائية بالنسبة لما يحدث اليوم قائلاً: "إن المضاربة الناجمة على العملات ذات ربحية عالية، فقد حقق المضاربون الذين اشتروا الدولار بالجنيه الإسترليني عند سعر التعادل (٢.٨٠) دولارًا قبل تخفيض نوفمبر ١٩٦٧، ثم أعادوا شراء الجنيه عند سعر التعادل الجديد البالغ (٢.٤٠) دولارًا حققوا ربحًا قدره (١٦ %) ، وفي الشهور السابقة على رفع سعر المارك في سبتمبر وأكتوبر ١٩٦٩ باع المضاربون الدولار ليحصلوا على المارك عند سعر التعادل أربع ماركات، وبعد رفع السعر اشتروا الدولار بسعر (٣.٦٧) مارك، محققين ربحًا قدره (٨ %) .


(١) د. محمد عبد الحليم، التفسير الإسلامي لأزمة البورصات العالمية، في (أزمة البورصات العالمية في أكتوبر ١٩٩٧م) ؛ المتتدى الاقتصادي (٣) مركز صالح كامل، القاهرة، جامعة الأزهر؛ د. فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، رقم ١٤٧، ص ٢٣٨، وقد صرح كامديسو مدير صندوق النقد الدولي إبان أزمة المكسيك عام ١٩٩٥ بأن "العالم في قبضة هؤلاء الصبيان – يقصد المضاربين – "؛ فخ العولمة، تأليف (هانس بيتر مارتين) و (هارالد شومان) ، ترجمة د. عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة (٢٣٨) الكويت، جمادى الآخرة، ص ٩٦، وقد سماهم الرئيس (جاك شيراك) وباء الإيدز في الاقتصاد العالمي.
(٢) هانس بيتر مارتين، هارالد شومان، فخ العولمة، ترجمة د. عدنان عباس علي، عالم المعرفة، الكويت، رقم (٢٣٨) ، ص ٩٦، جمادى الآخرة ١٤١٩هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>