للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرض عقد الصيانة على القواعد العامة:

الصحيح أن عقد الصيانة وإن كان عقد مستحدثا ولكنه عقد شرعي كسائر العقود التي لا إشكال في شرعيتها، وذلك لأنه عقد مشتمل على الإيجاب والقبول وسائر الأركان والشرائط اللازمة لصحة العقد، فيكون مشمولا للعمومات القاضية بالوفاء بالعقد مثل قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((المؤمنون عند شروطهم)) (١) . ((والمسلمون عند شروطهم)) (٢) .

وكونه عقدًا مستحدثا غير معهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجب عدم شمول إطلاق وعموم تلك الأدلة لمثل هذا العقد. فإن الظاهر من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أن الموضوع للوفاء هو كل إنشاء أمكن اتصافه بكونه عقدا سواء كان متداولا أم غير متداول. فإن قيد التداول أمر زائد يحتاج بيانه إلى دلالة زائدة، ومع فقدها يؤخذ بظاهر العموم في كلمة العقود، ويحكم بصحة كل عقد ما لم يكن فيه خلل ممنوع شرعا من قبيل الربا أو الغرر أو نحوه. واحتمال كون اللام في العقود للإشارة إلى العقود المتعارفة في زمن نزول الوحي خلاف المتبادر منه عند الإطلاق. على أن النظر في الأدلة الواردة في المعاملات يدلنا على أن الأصل في المعاملات هو إمضاء ما تعارف بين الناس من أصناف المعاملات والتجارات والحكم بصحته إلا في موارد خاصة، مثل استلزامه للربا أو الغرر أو ما شاكل ذلك من المحظورات الشرعية.

ولا يفرق في البين بالنسبة إلى الالتزام بألفاظ خاصة سواء في الإيجاب أو القبول ولا داعي للاقتصار على لفظ خاص بعد أن كان للمنشىء أن يبرز ما في نفسه بأي مبرز كان.

ولكن قد يشكل في صحة هذه المعاملة من جهة كونها مشتملة على الغرر والتعليق، أما الغرر فلعدم معلومية مقدار الحاجة إلى الإصلاح وتبديل ما ينبغي تبديله من قطع الغيار. وأما التعليق فلكون التعمير والإصلاح معلقا على طروء العيب، فالمعاملة باطلة من ناحية اشتمالها على ما هو محظور شرعا من الغرر والتعليق في المعاملة.

ولكن التحقيق أن ما ذكر لا يصلح أن يكون موجبا لفساد المعاملة.

أما لزوم الغرر فأولا: أن متعلق العقد ليس هو الصيانة الخارجية، بل هو عبارة عن استعداد الشركة أو الشخص للقيام بالخدمات اللازمة للإدامة وإصلاح الأجهزة وتبديل قطع الغيار عند الحاجة، وهو أمر معلوم معين ليس فيه جهالة وخطر في نظر العرف، نظير استئجار شخص للحراسة فإن الحراسة هي القيام بالحفظ، والاستعداد للمواجهة مع اللصوص، وعدم معلومية وجود لص لا يوجب الجهالة في متعلق العقد وهو الحراسة عرفا.


(١) الوسائل، الباب ٤٠ من أبواب المهور، كتاب النكاح
(٢) الوسائل، الباب ٦ من أبواب الخيار؛صحيح البخاري مع الفتح كتاب الإجارة: ٢/٤٥١؛ سنن أبي داود مع عون المعبود: ٩/٥١٦؛ الحاكم: ٢/٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>