النقطة الثالثة: الصيانة الطارئة هي في الحقيقة ضمان فهي من أنواع التأمين كما تنص عليه المراجع المختصة، وبذلك فلا يجوز التعاقد عليها استقلالا. فالمعاوضة على الضمان ممنوعة بالإجماع كما قرره الفقهاء، لكن إن اقترنت الصيانة الطارئة هي وضمان بيع الأصل المراد صيانته، فنرى أن هذا من باب ضمان العيوب الخفية كما ذكر أصحاب الفضيلة، لكن هل يجوز للبائع أن يبيع السلعة بألف ومائتين بضمان ستة أشهر مثلا وبألف وأربعمائة بضمان سنة؟ يترجح -والله أعلم- الجواز بشرط عدم التراخي في مدة الضمان عن ثبوت ملكية المشتري للمبيع وإلا كان عقدا منفردا على الضمان، ونظير ذلك أنه يجوز أن يقول البائع للمشتري: السلعة بألف ومائتين إذا تأجل الثمن سنة وبألف وأربعمائة إذا تأجل سنتين لكن بشرط ثبوت الثمن المحدد المؤجل مع ثبوت ملكية المبيع دون تراخٍ، لكن لا يجوز أن يشتري السلعة ثم بعد إنهاء الصفقة يقول المشتري للبائع: اجعل الثمن مؤجلا ولك كذا، فهذه معاوضة عن الأجل وهي ممنوعة بالإجماع كذلك، فالضمان والأجل كلاهما لا يستقلان بالمعاوضة بإجماع أهل العلم.
النقطة الرابعة: أرى من المناسب التفريق بين عقود الصيانة التي تضمن الصائن جميع التكاليف المترتبة على التلف الطارئ، بما فيها قطع الغيار، وبين تلك التي تضع قيودا عليها مثل استثناء بعض القطع أو بوضع سقف أعلى للقطع أو نحو ذلك، فهذا الاستثناء هو بلا شك لحماية الصائن، فالأجهزة والمعدات ونحوها لها عمر وظيفي تنتهي بنهايته، ولا يستطيع الصائن أن يضمن بقاء هذه القطع مطلقا مهما كان مستوى الصيانة، فتضمين الصائن هذه القطع سيؤدي إلى شيء من الإجحاف لأحد الطرفين، فإما أن يطلب الصائن مبلغا مرتفعا للصيانة فيتضرر المالك فيما إذا لم تتلف هذه القطع خلال المدة المتفق عليه، وإما أن يرضي الصائن بمبلغ أقل فيتضرر إذا وقع التلف، ففي هذه الحالة ربما يكون من الحل أن تكون تكلفة القطع التي تتلف تكون مشتركة بين الطرفين.
وهذا الاشتراك يناسب مبدأ اللا يقين في احتمال التلف الطارئ، فإن التلف الطارئ إما أن يكون من مسؤولية الصائن أو مسؤولية المالك، ولما كان من الصعب تحديد المسؤولية بينهما، وقد تكون مشتركة، ناسب تقسيم التكلفة بين الطرفين. ونظير ذلك ما رواه الإمام مالك أن عمر – رضي الله عنه – قضى بنصف الدية على من أجرى فرسه على أصبع رجل فنزي منها فمات، وأبى أولياء صاحب الفرس الحلف أنه ما مات منها، كما أبى أولياء المقتول الحلف أنه مات منها. فورود هذه القرائن السببية مع عدم اليقين جعل عمر – رضي الله عنه- يقضي بنصف الدية. وكذلك الحال عند تلف القطع حين لا يعلم إن كان تلفها مرده قصور الصيانة أو سبب خارج عنها فيتحمل الصائن نسبة من التكلفة والباقي على المالك، فالمالك ينتفع من خلال ذلك بالتخفيض (تخفيض ثمن القطع التالفة) والصائن يكون لديه الحافز لصيانة القطع بقدر ما يمكن اجتناب ما قد يتحمله من التكلفة. والله أعلم.