ثم قال: إن الضروريات هي التي ما أوجبت أن تكون حياة البشر تؤول إلى فساد وتهاوج وفوضى، ليس هذا تحديدا للضروري عند أحد من الأصوليين الفقهاء الذين تحدثوا جيدا عن الضروريات، بل الضروريات هي ما تؤدي إلى اختلال الحياة وفرق ينساه كثير من الناظرين أنهم ينظرون إلى هذه القضايا النظرة الجزئية ولا ينظرون إليها النظرة الكلية للأمة، وقد بينت هذا في بحثي، إن القضية هي وضع الأمة الإسلامية اقتصاديا في هذا المسار الاقتصادي العام فلا بد من أن تأخذ بالآليات التي تستطيع أن تدخل بها السوق، ولها قوتها في اقتحام السوق ولها قوتها في التغلب على الأسواق.
ثم ذكر أن الغرض من التعريف أن يكون أجزاء وليس جزءا، وأن كلمة الصيانة دخلت، وآخذ بالآخر كلمة الصيانة، فهي لم ترد في كلامي أصلا فكلامي هو:"هو عقد يلتزم الخبير الفني بالقيام على الآلات والتجهيزات في مدة محددة، قياما يحقق أداءها لوظائفها بكفاءة ويلتزم فيه صاحبها بدفع ما اتفقا عليه إن لم تكن ملتزمة من البائع". ثم عن كلامه قد انصب على الحد، ومن أوليات علم المنطق الصوري الذي درسناه جميعا، أن التعريف يقع على ثلاثة أشكال:
الشكل الأول: هو التعريف بما هو أجدى لفظا.
ثانيا: التعريف بالحد.
وثالثا: التعريف بالرسم، وينص المحققون من علماء المنطق أن معظم التعاريف في العلوم إنما هي من قبيل الرسم لا من قبيل الحد، أعني بذلك ليست بالجنس والفصل، وإنما هي بالجنس أو النوع والخاصة، وإذا كانت بالخاصة فهي غير مانعة وله أن يذكر فيها ما يذكر، لأن المقصود هو نوع من التجلية في حدود إمكانات من يريد أن يجلي.
فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني سألني عن تكييف عقد الصيانة كإجارة مشتركة بأن وجود المعقود عليه غير متيقن، وأنه يمكن أن يمر زمن ولا يحتاج فيه إلى الصائن أصلا، إجابتي عن هذا هو كقول الله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ] الزخرف: ٨١ [، بمعنى فرض المحال. الآلات والأجهزة اليوم يستحيل أن تبقى تعمل بكفاءة عالية لمدة طويلة بل لابد من العناية بها وتبديل بعض القطع، بل لابد أيضا من صيانة دورية من تزييت ومن كبس بعض البراغي، هذا لابد من أن يقع بصفة منتظمة ودائمة وإلا فإن معظم الأجهزة التي نتحدث عنها لا تؤدي مهمامها على الوجه الأكمل. فالذين تخصصوا في الصيانة لهم معرفة بعد تخصصهم واختباراتهم بجملة عامة يقتنعون فيها بالعمل الذي هم مطالبون به، كما يقتنع صاحب المعمل بهذه الخدمات الدورية أو التعجيل بتعويض للقطع التالفة أو بإصلاحها.
فضيلة الشيخ الصديق الضرير تحدث أني تجنيت عليه ونسبت له ما لم يقل، هو في خاتمة حديثه يقول:
"وهو الصواب عندي ... "، وأنا لما وجدته يتفق الاتفاق الكامل وينص على أنه الصواب عنده، فقد نقلت ما ذكره في كتابه ثم عقبت عليه، وإذا كنت لا أتفق معه فيما ذهب إليه وبينت ذلك. فكم كنت أود أن يبين لي محل الخطأ في اعتراضي عليه. ثم ذكر الأجير الخاص في عقد الجعالة، أنا لم أذكر الأجير الخاص في عقد الجعالة؛ لأني أعتقد أن صاحب المصنع يأتي بأجراء خاصين، فيخصص هذا للكهرباء والآخر للدهن وغيرهم، هؤلاء أجراء خاصون وليست فيه عقد الصيانة، فهي مجموعة كاملة التي تقوم مع بعضها لإنجاز ما ينبغي أن ينجز. وأنا دخلت معملا من المعامل الكبرى وفيه ستون ألف عامل، يبدأ من مادة سائلة وينتهي بالقميص والحذاء والبدلة في تتابع في هؤلاء. هذه المعامل الكبرى فيها من القدرة والتنوع ما يجعلها تكون من جملة الفريق الذي يعمل عندها هذا الصائن، وليس له حكم خاص وإنما هو عامل من بقية العاملين مختص في الصيانة.