للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حق هذه الوراثة العظيمة، حمل العلم وتبليغه للناس، والقيام ببيان أحكام الله سبحانه، واستيعاب النوازل التي تجد في حياة الناس، والوقوف على حكم الله فيها بالرجوع إلى أصول الأدلة الشرعية، والنصوص الشرعية، وأعمالها بالفقه والاستنباط – بما يحقق للناس جلب المصالح ودفع المفاسد – حتى لا تتعرض الشريعة للتعطيل، أو الاتهام بالعجز عن قدرتها على مواجهة المستجدات، وحتى لا يفتن الناس في دينهم.

ولذلك حفظ الله هذا الدين وانتشرت علوم الإسلام على مدى قرون متوالية في تاريخ الإسلام بفضل الله عز وجل، ثم بجهود الصادقين المخلصين من أهل العلم الذين اختارهم الله عز وجل لذلك، وقد تركت هذه الجهود الصادقة ثروة عظيمة من العلوم التي خدمت الإسلام؛ بما في ذلك الفقه الذي أنبأ عن عقول تفتقت عن غزارة علم وجودة استنباط، وعمق فقه لدين الله، وكفاءة في معرفة أسرار الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة، ولم يقف اهتمام أهل العلم عند حد النوازل التي واجهتهم في حياتهم، بل تجاوزوها إلى مسائل كثيرة افتراضية، وكان السبب في كل ذلك هو: العناية بالعلم ... تعلما، وتعليما، وتطبيقا، وفهما، واستنباطا، وتدوينًا، وراية، وظل باب الاجتهاد مفتوحًا بشروطه وضوابطه.

الفتوى ومراحلها:

والفتوى: تطبيق الأحكام الشرعية، على النوازل والوقائع بما يحقق مصالح الناس في ضوء قواعد الشريعة ومبادئها ونصوصها.

وقد مرت الفتوى بمراحل في تاريخ الإسلام، وكانت كل مرحلة تمثل الحال التي عليها زمن الفتوى.

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان منهجه في القضاء فيما يرد عليه من الأمور، وما رواه الدارمي (١) عن ميمون بن مهران، قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضي به، فإن أعياه خرج، فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا. . فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء، فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضي به.

فأول ما يبدأ به كتاب الله عز وجل، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء مما علم من السنة، أو ثبت له برواية غيره من الصحابة، ثم بما أجمع عليه رؤوس الناس وخيارهم، وهذا غاية في التثبت.


(١) الدارمي: ١ / ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>