للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى الدارمي (١) أيضًا عن شريح، أن عمر بن الخطاب كتب إليه: إن جاءك شىء في كتاب الله فاقضِ به، ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقضِ بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت؛ إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم وإن شئت أن تتأخر فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك.

ولم يخرج عمر رضي الله عنه عن منهج أبي بكر رضي الله عنه، غير أنه لما ذكر الرأي عند عدم الدليل جعل صاحبه مخيراً بين الإقدام والإحجام، حتى لا تزل قدم صاحبه.

وقد روى الدارمي آثار أخرى عن منهج الصحابة في القضاء والفتيا، وكلها لا تخرج عن تحري الدليل من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم ... لأن في هذا المنهج السديد ما يحفظ مصالح الناس المشروعة، ومن ثم جاء التحذير والوعيد في حق من يخرج عن هذا المنهج القويم السديد، فقد جاء عن حبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: من أحدث رأيا ليس في كتاب الله، ولم تمضِ به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يدرِ على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل (٢) .

وعن أبي نضرة قال: لما قدم أبو سلمة البصرة أتيته أنا والحسن، فقال للحسن، أنت الحسن؟ ما كان أحد بالبصرة أحب إلي لقاء منك، وذلك أنه بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تفتِ برأيك، إلا أن تكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتاب منزل (٣) .

وعن جابر بن زيد أن ابن عمر لقيه في الطواف، فقال له: "يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تفتِ إلا بقرآن ناطق، أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت " (٤) .


(١) الدارمي: ١ / ٦٠
(٢) الدارمي: ١ / ٥٧.
(٣) الدارمي: ١ / ٥٨ – ٥٩.
(٤) الدارمي: ١ / ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>