للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام أبو شامة: "ينبغي لمن اشتغل بالفقه، أن لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان أتقن معظم العلوم المتقدمة، وليجتنب التعصب، والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة ".

وقد تبين مما سبق الفرق بين منهج أهل الحديث، وأصحاب الرأي في استنباط الأحكام، ومدى الرجوع إلى الأدلة، وكان جميعهم في العصور الأولى، أهل ورع وتقوى وتحرٍّ للحق.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أن علماء أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منحصرون في قسمين:

أحدهما: حفاظ الحديث، وجهابذته، والقادة الذين هم أئمة الأنام، وزوامل (١) الإسلام، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله، حموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله.

الثاني: فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام (٢) .

وذكر ابن القيم (٣) أيضاً اختلاف أئمة الفقه الأربعة من تقديم بعض الأدلة على بعض، فأما الإمام أحمد فيقدم – عند عدم النص، وعدم ثبوت شيء عن الصحابة – الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه - وهو الذي رجحه على القياس، وبين اصطلاح الإمام أحمد في الحديث الضعيف، وأنه عنده قسم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، إذ الحديث عنده ينقسم إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قول صاحب، ولا إجماع على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس.

وأبو حنيفة يقدِّم الحديث الضعيف على القياس، بل قد قدم أحاديث متفقاً على ضعفها على القياس، كحديث القهقهة في الصلاة، والوضوء بنبيذ التمر، وحديث أكثر الحيضة عشرة أيام، وحديث لا مهر أقل من عشرة دراهم.


(١) الزوامل: جمع زاملة، والزاملة: التي يحمل عليها من الإبل وغيرها، انتهى من القاموس.
(٢) إعلام الموقعين: ١ / ٨ – ٩.
(٣) انظر إعلام الموقعين: ١ / ٣١ – ٣٢ وهذا الذي ذكره الإمام ابن القيم في تقديم الأئمة بعض الأدلة على بعض ليس هو المنهج المطرد عندهم، بل هي مجرد أمثلة على الطرق التي سلكوها في ذلك، وقد فصل القول في ذلك بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي، المتوفى عام ٧٩٤هـ في كتابه (البحر المحيط) : ٤ / ٣٤٢ – ٣٥١ (فراجعه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>