للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كله من الرأي المحمود، وقد قسمه الإمام ابن القيم إلى أربعة أقسام:

الأول: رأي الصحابة الذي قال عنه:

(النوع الأول) : رأي أفقه الأمة وأبر الأمة قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، وأصحهم قصوداً، وأكملهم فطرة، وأتمهم إدراكاً، وأصفاهم أذهاناً، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول.

(النوع الثاني) : الرأي الذي يفسر النصوص، ويبين وجه الدلالة منها، ويقررها ويوضح محاسنها، ويسهل طريق الاستنباط منها أن كما قال عبدان: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث ... وهذا هو الفهم الذي يختص الله سبحانه به من يشاء من عباده.

(النوع الثالث) : الذي تواطأت عليه الأمة، وتلقاه خلفهم عن سلفهم، فإن ما تواطؤوا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابا. .ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته، أن يكون شورى بين أهله، ولا ينفرد به واحد، وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم. وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ليس فيها نص عن الله، ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم.

(النوع الرابع) أن يكون بعد طلب علم الواقعة من القرآن، فإن لم يجدها في القرآن ففي السنة، فإن لم يجدها في السنة؛ فبما قضى بها الخلفاء الراشدون أو اثنان منهم أو واحد، فإن لم يجده فما قاله واحد من الصحابة (١) - رضي الله عنهم – فإن لم يجده اجتهد رأيه، ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه وأقر بعضهم بعضًا عليه (٢) .

أما الرأي الباطل ... فيقول فيه:

فالرأي الباطل أنواع:

- أحدها: الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحل الفتيا به، ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد.

- النوع الثاني: الكلام في الدين بالخرص والظن، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهلها وقاس برأيه – فيما سئل عنه – بغير علم، بل لمجرد قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالآخر ... أو لمجرد قدر فارق يراه بينهما، يفرق بينهما في الحكم، من غير نظر إلى النصوص والآثار، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل.


(١) الرجوع إلى قول الصحابي على الإطلاق، فيه نظر، فالخلاف فيه قائم بين أهل العلم، كيف وقد وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في جزئيات كثيرة.
(٢) إعلام الموقعين: ١ / ٨٤ – ٩١ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>