للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجوهري: الاستنباط كالاستخراج، ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ، فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط، إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط، وإنما تنال به العلل والمعاني، والأشباه والنظائر، ومقاصد المتكلم.

والله سبحانه ذم من سمع ظاهراً مجرداً فأشاعه وأفشاه، وحمد منْ استنبط من أولى العلم حقيقته ومعناه (١) .

وقد ردَّ الإمام ابن القيم رحمه الله على الذين زعموا بأن النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث، حتى غلا بعضهم، وقال: ولا بعشر معاشرها، فقال: "ولعمر الله إن هذا مقدار النصوص في فهمه وعلمه ومعرفته، لا مقدارها في نفس الأمر، واحتج هذا القائل: بأن النصوص متناهية، وحوادث العباد غير متناهية، وإحاطة المتناهي بغير المتناهي ممتنع، قال: وهذا احتجاج فاسد جداً من وجوه:

- أحدها: إن ما لا تناهي أفراده لا يمتنع أن يجعل أنواعاً، فيحكم لكل نوع منها بحكم واحد .... فتدخل الأفراد التي لا تتناهى تحت ذلك النوع.

- الثاني: أن أنواع الأفعال، بل والأعراض كلها متناهية.

- الثالث: أنه لو قدر عدم تناهيها، فإن أفعال العباد الموجودة إلى يوم القيامة متناهية، وهذا كما تجعل الأقارب نوعين: نوعاً مباحاً وهو بنات العم والعمة، وبنات الخال والخالة، وما سوى ذلك حرام ... وكذلك يجعل ما ينقض الوضوء محصوراً، وما سوى ذلك لا ينقضه، وكذلك ما فسد الصوم، وما يوجب الغسل، وما يوجب العدة، ما يمنع منه المحرم ... وأمثال ذلك.

وإذا كان أرباب المذاهب يضبطون مذاهبهم ويحصرونها بجوامع تحيط بما يحل ويحرم عندهم مع قصور بيانهم، فالله ورسوله المبعوث بجوامع الكلم، أقدر على ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم يأتي بالكلمة الجامعة، وهي قاعدة عامة وقضية كلية، تجمع أنواعاً وأفراداً، وتدل دلالتين، دلالة طرد، ودلالة عكس " (٢) . وضرب لذلك أمثلة من الكتاب والسنة.


(١) إعلام الموقعين: ١ / ٢٤٨ – ٢٤٩، ومراد المؤلف من العبارة الأخيرة، الإشارة إلى قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] .
(٢) إعلام الموقعين: ١ / ٣٧١ – ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>