للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وبعد هذا فالحق الذي ليس عليه غبار، الحكم بسهولة الاجتهاد في هذا الأعصار، وأنه أسهل منه في الأعصار الخالية، لمن له في الدين همة عالية، ورزقه الله فهما صافياً، وفكراً صحيحاً، ونباهة في علمي السنة والكتاب، فإن الأحاديث في الأعصار الخالية كانت مفرقة في صدور الرجال وعلوم اللغة في أفواه سكان البوادي ورؤوس الجبال، حتى جمعت متفرقاتها ونفقت ممزقاتها، حتى لا يحتاج طالب العلم في هذه الأعصار إلى الخروج من الوطن، وإلى شد الرحال والظعن، فيا عجباه حين تفضل الله بجمعها من الأغوار والأنجاد، وسهل سياقها للعباد، حتى أينعت رياضها، وأترعت حياضها، وأجريت عيونها، وتهدلت بثمارها غصونها، وفاض في ساحات تحقيقها معينها، واشتد عضدها وجل ساعدها، وكثر معينها. وتعذر الاجتهاد، ما هذا والله إلا من كفران النعمة وجحودها، والإخلاد إلى ضعف الهمة وركودها، إلا أنه لابد مع ذلك أولاً من غسل فكرته من أدران العصبية، وقطع مادة الوسواس المذهبية، وسؤال للفتح من الفتاح العليم، وتعرض لفضل الله، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " (١) .

وللإمام محمد بن علي الشوكاني في كتابه (القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد) كلام مهم في الرد على مدعي إغلاق باب الاجتهاد، خلاصته: "إن القائلين بهذه المقالة، قد ادعوا أنه قد انقطع التفضل من الله سبحانه به على عباده، وأن من يتجارأ (٢) على مثل هذه المقالة وحكم على الله سبحانه بمثل هذا الحكم المتضمن تعجيزه عن التفضل على عباده، بما أرشدهم إليه من تعلم العلم وتعليمه، لا يعجز عن التجرؤ على أن يحكم على عباده بالأحكام الباطلة، ويجازف في إيراده وإصداره، ويا لله العجب، ما قنع هؤلاء الجهلة بالتوكؤ بما هم عليه من بدعة التقليد؛ التي هي أم البدع، ورأس الشنع، حتى سدوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم باب معرفة الشريعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا سبيل إلى ذلك ولا طريق حتى كأن الأفهام البشرية قد تغيرت، والعقول الإنسانية قد ذهبت، وكل هذا حرص منهم على أن تعم بدعة التقليد كل الأمة، وأن لا يرتفع عن طبقتهم السافلة أحد من عباد الله " (٣) .


(١) مصادر التشريع الإسلامي، ص ٣٦ – ٣٧.
(٢) هكذا جاءت في (القول المفيد) ، ولم يذكر صاحب اللسان، ولا صاحب القاموس هذه الصيغة في ماضي (جرأ) .
(٣) ص ٨١ – ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>