للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراعاة مقاصد الشريعة:

وإذا أقدم المفتي على الفتوى، فإنه يجب أن يراعي - عند عدم وجود الدليل – مقاصد الشريعة الإسلامية من جلب المصالح ودفع المفاسد، إذ الشريعة الإسلامية مبنية على هذا الأساس: أعني جلب المصلحة، ودفع المفسدة، ولزوم هذه المقاصد عبادة لله تعالى، وطاعة له، "والمفهوم من وضع الشارع أن الطاعة أو المعصية تعظم بحسب عظم المصلحة أو المفسدة الناشئة عنها " (١) ، إلا أن الأصل في العبارات بالنسبة إلى المكلف التعبد، دون الالتفات إلى المعاني، "فالركن الوثيق الذي ينبغي الالتجاء إليه الوقوف عندما حد دون التعدي إلى غيره " (٢) ، وأما الأصل في العادات فالالتفات إلى المعاني ... وقد أورد الإمام الشاطبي على ذلك أدلة، وهي قوله:

"أولها: الاستقراء، فإنا وجدنا الشارع قاصداً لمصالح العباد، والأحكام العبادية تدور معه حيثما دار، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] ... وقال أيضاً: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] .

وفي الحديث: ((لا يقضي القاضي وهو غضبان)) (٣) . وقال: ((لا ضرر ولا ضرار)) (٤) .

الثاني: أن الشارع توسع في بيان العلل والحكم، في تشريع باب العادات ... وأكثر ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض على العقول تلقته بالقبول (٥) ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع المعاني لا الوقوف مع النصوص.

الثالث: أن الالتفات إلى المعاني قد كان معلوماً في الفترات، واعتمد عليها العقلاء، حتى جرت بذلك مصالحهم، وأعملوا كلياتها على الجملة فاطردت لهم، ومن هنا أقرت الشريعة جملة من الأحكام التي جرت في الجاهلية: كالدية، والقسامة، والاجتماع يوم العروبة – وهي الجمعة – للوعظ والتذكير، والقراض (٦) ، وكسوة الكعبة، وأشباه ذلك مما كان عند أهل الجاهلية محموداً، وما كان من محاسن العوائد، ومكارم الأخلاق التي تقبله العقول، وهي كثيرة " (٧) .


(١) الموافقات: ٢ / ٢٩٨ – ٢٩٩.
(٢) الموافقات: ٢ / ٣٠٣ – ٣٠٤.
(٣) البخاري، الأحكام: ٨ / ١٠٨ – ١٠٩ بلفظ: لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان؛ ومسلم برقم (١٧١٧) ؛ وأحمد: ٥ / ٣٦، ٣٨؛ وأصحاب السنن عن أبي بكرة.
(٤) أحمد: ١ / ٣١٣؛ وابن ماجة برقم (٢٣٤١) عن ابن عباس؛ والحاكم: ٢ / ٥٨؛ والبيهقي في السنن الكبرى: ١ / ٦٩ – ٧٠؛ والدارقطني: ٣ / ٧٧ عن أبي سعيد الخدري، وهو في صحيح الجامع الصغير برقم (٧٥١٧) .
(٥) ويعرفه الأصوليون، بأنه: وصف ظاهر منضبط.
(٦) وهي المضاربة.
(٧) الموافقات: ٢ / ٣٠٥ – ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>