وعلى هذا فإن مراعاة جلب المصلحة، ودفع المفسدة، واجب عند إصدار الفتوى سيراً مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد اعتنى أهل العلم بهذا الجانب عناية فائقة، فيما حرره أمثال: العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام، والقرافي في (الفروق) . والشاطبي في (الموافقات) وغيرهم، وأذكر هنا مثالاً حرره هؤلاء الأئمة في ذلك:
يقول الإمام العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)(١) :
"ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل، وذلك في معظم الشرائع، إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع، أن تحصيل المصلحة المحضة، ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن، واتفق العلماء على ذلك. . وكذلك الشرائع على تحريم الدماء، والأبضاع والأموال والأعراض، وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال ".
"واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد، مركوز في طبائع العباد نظراً لهم من رب الأرباب ".
"وأما مصالح الآخرة ومفاسدها، فلا تعرف إلا بالنقل، ومصالح الدارين ومفاسدهما في رتب متفاوتة، فمنها ما هو في أعلاها، ومنها ما هو في أدناها، ومنها ما يتوسط بينهما، وهو ينقسم إلى متفق عليه، ومختلف فيه: فكل مأمور به، ففيه مصلحة الدارين أو إحداهما، وكل منهي عنه، ففيه مفسدة الدارين أو إحداهما ".
"ومعظم مقاصد القرآن، الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها ".