للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين – مع كونه مصلحة – لئلا يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه (١) ، وقولهم: إن محمداً يقتل أصحابه، فإن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه، ومن لم يدخل فيه، ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل " (٢) .

ثم قال ابن القيم:

"وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان:

أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان:

أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسد؛ فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين " (٣) .

والحاصل: أن على المفتي مراعاة سد الذرائع التي راعاها الشارع في مواطن كثيرة، فمهما علم أن عملا ما – وإن كان جائزا شرعا – سيفضي القيام به إلى محرم، فالواجب المنع منه، وعدم إباحته، كما علم ذلك من خلال الأمثلة التي سقناها وغيرها.

* * *


(١) وقد جاء ذلك صريحا في كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك لما قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم – في غزوة بني المصطلق -: ألا تقتل يا رسول الله هذا الخبيث – لعبد الله – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه) . البخاري، في المناقب من رواية جابر بن عبد الله: ٤ / ١٦؛ ومسلم في الفضائل برقم (٢٥٨٤) .
(٢) وانظر بقية الأمثلة التي أوردها ابن القيم في إعلام الموقعين: ٣ / ١٧٧ – ٢٠٥.
(٣) إعلام الموقعين: ٣ / ٢٠٥؛ وانظر أيضا كلام القرطبي في تفسيره: ٢ / ٥٧ – ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>