للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الإفتاء فإنه لا يكون إلا إذا كانت واقعة وقعت، ويتعرف الفقيه حكمها.

والفتوى الصحيحة تتطلب عدا توافر شروط الاجتهاد في المجتهد شروطاً أخرى، وهي معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة نفسية المستفتي، والجماعة التي يعيش فيها، وظروف البيئة أو البلد التي حدثت فيها النازلة أو الواقعة أو العمل، ليعرف مدى أثر الفتوى سلباً وإيجاباً (١) .

ولا بد من أن يتصف بصفات أو ضوابط لها صلة بالممارسة العملية وقبول الناس لفتواه: وهي العقل والبلوغ والحرية بالاتفاق، والحياة، والأعلمية، والعدالة، على اختلاف فيها.

والعدالة شرعاً: يراد بها أهلية قبول الشهادة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفها الغزالي بقوله: "العدالة: عبارة عن استقامة السيرة والدين، وحاصلها يرجع إلى هيئة راسخة في النفس، تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه، وذلك إنما يتحقق باجتناب الكبائر، وبعض الصغائر، وبعض المباحات " (٢)

فلا يستفتى مجهول العدالة حتى تعلم عدالته بقول عدل أو عدلين أو بالاستفاضة والشهرة، لأن العدل يكون غالباً موفقاً إلى اختيار الصواب، وليطمئن الناس إلى كلامه، بخلاف الفاسق فإنه مذموم، ويحيط الشك كثيراً بأقواله.

وقال ابن فرحون في تبصرة الحكام (٣) : إن المكلفين قسمان: مجتهد وغير مجتهد، وغير المجتهد: أوجب الشرع عليه الرجوع إلى قول المجتهدين العدول، فنزل الشرع ظن المجتهد في حقه كظنه، لو كان مجتهداً لضرورة العمل، وهذا أمر مجمع عليه.

آراء العلماء في ضرورة مراعاة البيئة والأعراف والمصالح ونحوها:

اتفقت كلمة العلماء على ضرورة مراعاة أحوال الواقعة النازلة، من عرف البلد والزمان، وما يحقق مصالح الناس في معاملاتهم وتصرفاتهم، وذلك ينسجم مع مهمة المفتي وسلامة الفتوى، فإن لم يراعِ المفتي ظروف الواقعة أو المسألة المستجدة، أعرض الناس عن فتواه، ووقعوا في الحرام أو المنكر عمداً أو خطأ.


(١) أصول الفقه للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة، ص ٣٨٧.
(٢) المستصفى: ١ / ١٠٠.
(٣) تبصرة الحكام: ١ / ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>