للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- يرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن حكم القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً للضرورة في العقود والفسوخ، وخالفه الصاحبان وبقية الفقهاء، قالوا: لا ينفذ حكم القاضي في الأموال وغيرها، فلا يحل الحرام، ولا يحرم الحلال (١) .

- بيع التلجئة: هو العقد الذي ينشئه البائع لضرورة أمر، فيصير كالمدفوع إليه، وصوره ثلاثة عند الحنفية:

١- إذا كان في نفس المبيع فهو باطل.

٢- وإذا كان في البدل: نحو أن يتفقا في السر أن الثمن ألف، ويتبايعان في الظاهر بألفين، فالثمن هو المذكور في السر.

٣- وإذا اتفقا في الباطن أن الثمن ألف، ويتبايعان في الظاهر بمائة دينار، قال محمد بن الحسن: القياس أن يبطل العقد، وفي الاستحسان: يصح بمائة دينار، والفرق بين هذه الصورة وما قبلها: أن الثمن في الظاهر في هذه الصورة أقل، وعن أبي حنيفة: بيع التلجئة موقوف، إن أجازه جاز وإن رده بطل (٢) .

- علاج التضخم في القرض: لو استقرض الفلوس فكسدت، قال أبو حنيفة: عليه مثلها كاسدة، ولا يغرم قيمتها، وقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم القبض. وقال محمد: عليه قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه الفتوى. قال في الفتاوى الهندية (٣) : (وبعض مشايخ زماننا أفتوا بقول أبي يوسف، وقوله أقرب إلى الصواب في زماننا) .

- وهناك ما يسمى عند الحنفية باستحسان الضرورة، واستحسان العرف، والمصلحة المرسلة لضرورة.

أما الاستحسان بالضرورة: فهو أن توجد ضرورة تحمل المجتهد على ترك القياس والأخذ بمقتضى الضرورة، مثل تطهير الآبار والأحواض التي تقع فيها نجاسة، فمقتضى القياس: أنه لا يمكن تطهيرها بنزح الماء كله أو بعضه، لأن نزح بعض الماء الموجود في البئر أو الحوض لا يؤثر في طهارة الباقي فيها، ونزح كل الماء لا يفيد في طهارة ما ينبع من ماء جديد، لملاقاته لمحل النجاسة في قاع البئر وجدرانه، والدلو تنجس أيضاً بملاقاة الماء، فلا تزال تعود وهي نجسة، إلا أنهم استحسنوا ترك العمل بموجب القياس، فحكموا بالطهارة بنزح مقدار من الماء للضرورة المحوجة إليها.

قال الحنفية: إن وقعت في البئر فأرة أو عصفورة ونحوها فماتت: نزح منها ما بين عشرين دلواً إلى ثلاثين، بحسب كبر الدلو وصغرها، بعد إخراج الفأرة، فإن ماتت فيها حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور والهر، نزح منها ما بين أربعين دلو إلى ستين. وإن ماتت فيها شاة أو كلب أو آدمي، نزح جميع ما فيها، فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ، نزح جميع ما فيها، صغر الحيوان أو كبر، لانتشار البلّة في أجزاء الماء. (٤)

وأما استحسان العرف: فهو كعقد الاستصناع: وهو شراء ما سيصنع وفقاً للطلب، وهو جائز في كل ما جرى التعامل فيه (٥) ، وما يقترضه الجيران من بعضهم بعضاً من الحوائج من الدقيق والخبز ونحوهما، قال الحنفية: إذا استقرض الدقيق وزناً لا يرده وزناً، ولكن يصطلحان على القيمة، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى: يجوز استقراضه وزناً استحساناً، إذا تعارف الناس ذلك، وعليه الفتوى. (٦)

وأما المصلحة لضرورة: فمتفق على الأخذ بها، قال الغزالي: المناسب المرسل يعتبر إن كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية، وإلا فلا، فالضرورية: هي التي تكون من إحدى الضروريات الخمس: وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال. وأما القطعية: فهي التي يجزم بحصول المصلحة فيها، والكلية: هي التي تكون موجبة لفائدة عامة للمسلمين، مثال ذلك: مشروعية قتل أساري المسلمين بيد الأعداء، إذا تترسوا بهم، للضرورة، حتى لا يتخذوا ذلك دريئة للتقدم في ديار المسلمين، والاستيلاء عليها، وقتل المسلمين كافة (٧) .


(١) الفقه الإسلامي وأدلته للباحث: ٦ / ٧٥٦.
(٢) الفتاوى الهندية: ٣ / ١٧٨.
(٣) الفتاوى الهندية: ٣ / ١٧٥.
(٤) فتح القدير: ١ / ٦٨ - ٧٤
(٥) الفتاوى الهندية ٣/ ١٧٧
(٦) الفتاوى الهندية٣/ ١٧٣
(٧) المستصفى: ١ / ١٤٠ – ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>