للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم أن تغير وسائل حماية الحق بحسب المصلحة الزمنية تتفق مع المبدأ الذي تقوم عليه الأحكام الشرعية، وهو إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ورعاية المصلحة، ودرء المفسدة.

- أخذ بعض فقهاء المالكية كابن فرحون، وبعض الحنابلة كابن القيم بجواز القضاء بالقرائن أحياناً، مع التحفظ والحذر، ولو في نطاق الحدود، وصار ذلك مذهب المالكية والحنابلة، مثل إثبات الزنا بالحمل، وإثبات شرب الخمر بظهور رائحتها من فم الشارب المتهم، وثبوت السرقة بوجود المال المسروق في حيازة المتهم، ورد المسروق أو الوديعة أو اللقطة لمن يصفها بعلامات مميزة، دون حاجة للشهادة أو اليمين (١) .

واكتفى الحنفية بالأخذ بالقرينة القطعية، كرؤية شخص مدهوش ملطخ بالدم، ومعه سكين ملوثة بالدم، مما يدل على أنه هو القاتل إلا إذا ثبت العكس بدليل قاطع (٢) .

- الطلاق المقترن بلفظ الثلاث أو المتكرر أو المتتابع، قال الجمهور: يقع الطلاق المقترن بلفظ الثلاث، أو المتكرر، كما أوقعه الزوج، لكن الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وبعض المعاصرين (المشايخ: محمود شلتوت، ومحمد السايس، وعلي الخفيف، ومحمد الزفزاف) والقوانين في مصر والسودان والمغرب وسورية ولبنان والأردن والعراق، والشيعة الإمامية؛ يرون أن الطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة لا يقع إلا واحدة، لأن القول بوقوعه واحدة أقل مفسدة من القول بوقوعه ثلاثاً، والقاعدة المقررة هي (يرتكب أخف الضررين وأقلهما فساداً) . وكذلك الطلاق المتتابع عند بعض المعاصرين (الشيخ محمد أبو زهرة) لا يقع إلا واحدة، لأن الظاهر أن هذا الطلاق ولو في مجالس متعددة يراد به التأكيد، أي إن الطلاق المتكرر يأخذ حكم المقترن بالعدد عن طريق القياس (٣) ، والدافع لهذا هو حاجة الناس.

- طلاق الهازل أو الذي يجري على اللسان بدون قصد: قال بعض المالكية، وبعض الزيدية، والظاهرية والجعفرية: طلاق الهازل لا يقع لعدم القصد إليه والعزم عليه، لأن الهازل لا نية له في الطلاق، والحديث صريح في اشتراط النية ((إنما الأعمال بالنيات)) (٤) ، وأما حديث: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة)) (٥) ، فتشككوا فيه، ولم يصح عندهم.

- بيع المعدوم: من شروط البيع عند الحنابلة (٦) وغيرهم: القدرة على تسليم المبيع، فلا يصح بيع الآبق، والشارد، ولو لقادر على تحصيلهما، لما رواه أحمد من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن شراء العبد وهو آبق "، ولمسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وفسره أبو يعلى وجماعة: بما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر.


(١) تبصرة الحكام لابن فرحون: ١ / ٣١٢؛ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم: ص ٩٧ وما بعدها، ٢١٤ ما بعدها؛ الفقه الإسلامي وأدلته: ٦ / ٣٩١ – ٣٩٢.
(٢) المجلة: م ١٧٤١.
(٣) فتاوى ابن تيمية: ٣ / ١٧؛ إغاثة اللهفان: ٣ / ٣٢٦؛ الفصول الشرعية، ص ٧٤.
(٤) رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه.
(٥) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة، وهو كما ذكر السيوطي وغيره: حسن.
(٦) منار السبيل: ١ / ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>