للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا بالنسبة لتأسيس البيت على قواعد إبراهيم قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض)) (١) . وهذا كله لا يدرك إلا بفقه الواقع.

وكذا يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: ومالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق، قال له عمر: لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة (٢) .

ولقد ذكر العز بن عبد السلام عدة أمثلة فيما يخص التدرج في الحكم (٣) :

أحدها: أن الله أخر إيجاب الصلاة إلى ليلة الإسراء؛ لأنه لو أوجبها في ابتداء الإسلام لنفروا من ثقلها عليهم.

الثاني: الصيام لو وجب في ابتداء الإسلام لنفروا في الدخول في الإسلام.

الثالث: تأخير وجوب الزكاة إلى ما بعد الهجرة، لأنها لو وجبت في الابتداء لكان إيجابها أشد تنفيراً لغلبة الضنة بالأموال.

الرابع: الجهاد لو وجب في الابتداء لإبادة الكفرة أهل الإسلام لقلة المؤمنين ولكثرة الكافرين.

الخامس: القتال في الشهر الحرام لو أجل في ابتداء الإسلام لنفروا منه لشدة استعظامهم بذلك، وكذلك القتال في البلد الحرام.

السادس: القصر على أربع نسوة لو ثبت في ابتداء الإسلام لنفرت الكفار من الدخول فيه، وكذلك القصر على ثلاث طلقات، فتأخرت هذه الواجبات تأليفاً على الإسلام الذي هو أفضل واجب، ومصلحته تربو على جميع المصالح، ولمثل هذا قرر الشرع من أسلم على الأنكحة المعقودة على خلاف شرائط الإسلام، وكذلك أسقط عن المجانين ما يتلقونه من أنفسهم المؤمنين وأموالهم لأنه لو ألزمهم بذلك لنفروا من الدخول الإسلام، وكذلك بني على الإسلام غفران جميع الذنوب لأن عهدها لو بقيت بعد الإسلام لنفروا، وكذلك قال جماعة قد زنوا فأكثروا من الزنا وغيره من الكبائر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ما تقول وتدعو إليه حسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؟.


(١) صحيح مسلم: ٢ / ٩٧٣، ١٥؛ كتاب الحج (٧٠ – ٧١) ، باب حديث رقم (٤٠٥) .
(٢) الموافقات: ٢ / ٧١.
(٣) القواعد (٥٠ – ٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>