للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النازلة الرابعة – تعطى الزكاة للفقير ولو كان له ولد غني:

وسُئل السيوري (١) عن أحد الأبوين فقير له ولد غني يأبى أن يطلب نفقته منه، هل يعطى من الزكاة؟

فأجاب: بأنه يعطى من الزكاة، قيل لأنها لا تجب له إلا بالحكم فإذا، ترك الطلب فكأنه لم يكن له ولد (٢) إن الحكم العام يقتضي وجوب نفقة الابن الغني على أبيه إذا كان فقيراً، إلا أن هذه الصورة يرى السيوري أنها لا تندرج تحت ذلك الحكم العام، لقيام خصوصية في الأب أخرجته من ذلك، وهو إباؤه طلب النفقة، والحال أن النفقة لا تجب إلا بالحكم، فأصبح الأب بذلك كأنه لم يكن له ولد، وعد من جملة الفقراء، ومن ثم جازت له الزكاة لفقره وهو ملحظ دقيق من السيوري.

النازلة الخامسة – تدفع الزكاة لأهل البيت إن خيف عليهم الضياع:

سئل سيدي محمد بن مرزوق (٣) عن رجل شريف أضر به الفقر، هل يواسي بشيء من الزكاة أو صدقة التطوع؟ وقد علمتم ما في ذلك من الخلاف، وحالة هذا الرجل وغيره من الشرفاء عندنا، لا سيما من له عيال تحت فاقة.

فالمراد ما نعتمده في ذلك من جهتكم، فإني وقفت على جواب الإمام ابن عرفة (٤) قال فيه: المشهور من المذهب أنهم لا يعطون من الزكاة، وبذلك احتج علي من تكلمت معه في ذلك من طلبة بلدنا، فقلت له: إن وقفنا مع هذا وشبهه مات الشرفاء وأولادهم وأهاليهم هزالاً، فإن الخلفاء قصروا في هذا الزمان في حقوقهم ونظام بيت المال، وصرف ماله على مستحقه فسد. والأحسن عندي أن يرتكب في هذا أخف الضررين، ولا ينظر في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموتوا جوعاً، فعارضني بما قلت لكم، وبما قاله الشيخ ابن رشد في الأجوبة.

فأجاب: المسألة اختلف العلماء فيها كما علمتم، والراجح في هذا الزمان أن يعطى، وربما كان إعطاؤه أفضل من إعطاء غيره، والله تعالى أعلم (٥) .


(١) هو أبو القاسم عبد الخالق بن عد بالوارث، خاتمة علماء أفريقيا وآخر شيوخ القيروان، ذو البيان البديع في الحفظ والقيام على المذهب والمعرفة بخلاف العلماء، كان فاضلاً، أديباً، نظاراً، زاهداً، له تعاليق على المدونة، طال عمره فكانت وفاته سنة ٤٦٠ هـ بالقيروان (الديباج المذهب، ص ١٥٨) .
(٢) الونشريسي، المعيار المعرب: ١ / ٣٦٧.
(٣) محمد بن مرزوق (٧٦٦ – ٨٤٢ هـ ١٣٦٤ – ١٤٣٩م) هو محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق الحفيد، التلمساني (شمس الدين أبو عبد الله) فقيه أصولي، محدث، مفسر، صوفي، مقرئ، لغوي، بياني، عروضي، ناظم، رحل إلى الحجاز والمشرق، وتوفي بتلمسان، من تصانيفه: أنوار الداراري في مكررات البخاري – روضة الأريب في شرح التهذيب؛ (معجم المؤلفين: ٣ / ٩٧؛ نيل الابتهاج، ص ٢٩٣ وما بعدها؛ الديباج المذهب، ص ٣٠٥) .
(٤) ابن عرفة (٧١٦ – ٨٠٣ هـ – ١٣١٦ – ١٤٠١م) هو محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي، ويعرف بابن عرفة (أبو عبد الله) ، مقرئ، فقيه، أصولي، بياني، منطقي، متكلم، فرضي، تولى إمامة الجامع الأعظم وتوفي بتونس، من تصانيفه: المبسوط في الفقه المالكي، مختصر الفرائض، مصنف في المنطق، المختصر الشامل في أصول الدين.
(٥) الونشريسي، المعيار المعرب: ١ / ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>