للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل في أهل البيت أنهم لا يعطون من الزكاة، ولكن بالنظر إلى ما آلوا إليه من فاقة وفقر بسبب فساد نظام بيت المال، وصرف ماله على مستحقيه كان الأولى إعطاءهم، لذلك رأى محمد بن مرزوق أن يعطى ذلك الرجل الشريف – بما وصف من حاله – الزكاة، لأن تطبيق حكم الأصل عليه يؤدي إلى الضرر به، ومنافٍ لقصد الشارع في إعفاف أهل البيت بتنزيههم عن أخذ مال الزكاة.

النازلة السادسة – الجهاد أفضل من الحج في حق الأندلسيين:

وسئل ابن رشد عمن لم يحج من أهل الأندلس في هذا الوقت؛ هل الحج أفضل له أو الجهاد، وكيف لو حج الفريضة؟

فأجاب: فرض الحج ساقط في زماننا هذا عن الأندلس لعدم الاستطاعة، وهي القدرة على الوصول مع الأمن على النفس والمال، وإذا سقط الفرض صار نفلاً مكروهاً للضرر، فبان أن الجهاد الذي لا تحصى فضائله أفضل، وهو أبين من أن يسأل عنه، وموضع السؤال فيمن حج الفريضة والسبيل مأمونة، هل الحج أفضل أو الجهاد؟

واختار الجهاد لما ورد فيه من الفضل العظيم، وأما من لم يحج وسبيله مأمونة فيتخرج على الفور أو على التراخي، وهذا ما لم يتعين فرض الجهاد، فإن تعين فهو أفضل من حجة الفريضة قولاً واحداً.

وأما غير أهل الأندلس كالعدوتين، فإن خافوا على أنفسهم وأموالهم فهم كالأولين، وإن لم يخافوا فالجهاد عندي لهم أفضل من تعجيل الحج، إذ هو على التراخي على الصحيح مما تدل عليه مسائل المذهب، وهذا في غير من يقوم بفرض الجهاد، وأما من قام بفرضه من أجناد المسلمين فالجهاد واجب عليهم، إذ لا يجب تعجيل الحج عليهم.

وأجاب الأستاذ أبو بكر الطرطوشي (١) بأنه حرام على أهل المغرب، فمن خاطر وحج فقد سقط فرضه ولكنه آثم بما ارتكب من الغرر (٢) .

هكذا قد يكون الشيء واجباً في الحالة العادية، فينقلب في حق مكلف ما، في حالة ما، حراماً يأثم على إتيانه وكل ذلك يعرف بعد تحقيق المناط في حالة المكلف، وما هو الفرض عليه باعتبار الوقت والحال، وما هذه المسألة إلا دليلاً على ذلك، إذ نظر فيها حال ذلك الزمان وأهله، لذلك أفتوا بما يناسب حالهم، وما هو فرض الوقت في حقهم هل الجهاد أم الحج.


(١) الطرطوشي، أبو بكر (٤٥١ – ٥٢٠ هـ، ١٠٥٩ – ١١٢٦ م) هو محمد بن الوليد بن محمد ابن خلف بن سلميان بن أيوب الفهري المالكي المعروف بالطرطوشي (أبو بكر) فقيه، أصولي، محدث، مفسر، نشأ في طرطوشة بالأندلس، ورحل إلى المشرق فدخل بغداد والبصرة، وسكن الشام، توفي بالإسكندرية، من تصانيفه: سراج الملوك، مختصر تفسير الثعالبي، شرح رسالة ابن أبي زيد، سراج الملوك والخلفاء ومنهاج الولاة والأمراء؛ (معجم المؤلفين: ٣ / ٧٦٢؛ شذرات الذهب: ٤ / ٦٢) .
(٢) الونشريسي، المعيار المعرب: ١ / ٤٣٢ – ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>