للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأسيس لفقه النوازل

ومنهج الإمام الشاطبي

النوازل وفتح باب الاجتهاد:

إن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصلح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من قياس وغيره. فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصاً على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد.

وعند ذلك: فإما أن يترك الناس فيها من أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي – وهو أيضاً اتباع للهوى – وذلك كله فساد.

فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية – وهو معنى تعطيل التكليف، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق. . .

فإذاً: لا بد من الاجتهاد في كل زمان، لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان (١) .

وهذا الاجتهاد الذي يتوجه إلى ما يعرف (بتحقيق المناط) أي تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله.

ومعناه: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي. . . أي الكتاب أو السنة أو الإجماع، لكن يبقى النظر في تعيين محله؛ أي تطبيقه على الجزئيات والحوادث الخارجية.

فإذا أوصى بماله إلى الفقراء:

فلا شك أن من الناس من لا شيء له فيتحقق فيه اسم الفقر فهو من أهل الوصية.

- ومنهم من لا حاجة به ولا فقر وإن لم يملك نصاباً. . وبينهما وسائط.

كالرجل يكون له الشيء ولا سعة له، فينظر فيه:

هل الغالب عليه حكم الفقر أو حكم الغنى؟

كذلك في فرض نفقات الزوجات والقرابات:

إذ هو مفتقر إلى النظر في حال المنفق عليه والمنفق، وحال الوقت، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تنضبط بحصر، ولا يمكن استفتاء القول في آحادها.

ولأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها، لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في نفس الأمر فلم يتقدم لنا، فلابد من النظر فيها بالاجتهاد.

وكذلك إن فرضنا أنه تقدم لنا مثلها، فلابد من النظر في كونها مثلها أولاً، وهو نظر اجتهاد أيضاً. وكذلك القول فيما فيه حكومة من أروش الجنايات وقيم المتلفات.


(١) الشاطبي، الموافقات: ٤ / ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>