للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وإن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعداداً لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست لغيره ولو في نفس التعيين.

فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يتحقق تحت أي دليل تدخل.

ومن القواعد القضائية: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ؛ فالقاضي لم يمكن الحكم في واقعة إلا بعد فهم المدعى من المدعى عليه؛ وهو أصل الفقهاء.

ولا يتعين ذلك إلا بنظر واجتهاد ورد الدعاوى إلى الأدلة.

وهو تحقيق المناط بعينه.

فالحاصل: أنه لابد من تحقيق المناط بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومفتٍ، بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه.

فإن العامي إذا سمع في الفقه: أن الزيادة الفعلية في الصلاة سهواً – من غير جنس أفعال الصلاة أو من جنسها – إن كانت يسيرة فمغتفرة، وإن كانت كثيرة فلا.

فوقعت في صلاته زيادة؟ فلا بد له من النظر فيها حتى يردها إلى أحد القسمين، ولا يكون ذلك إلا باجتهاد ونظر. . . فإذا تعين له قسمها تحقق له مناط الحكم فأجراه، وكذلك سائر تكليفاته (١) .

ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الذهن، لأنها مطلقات وعمومات وما يرجع إلى ذلك، منزلات على أفعال مطلقات كذلك. . . والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة وإنما تقع معينة مشخصة؛ فلا يكون الحكم واقعاً عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام. . . وقد يكون ذلك سهلاً، وقد لا يكون، وكله اجتهاد.

وعليه: فلابد من الاجتهاد في كل زمان، إذ لا يمكن حصول التكليف إلا به، فلو فرض التكليف مع إمكان ارتفاع هذا الاجتهاد لكان تكليفاً بالمحال وهو غير ممكن شرعاً، كما أنه غير ممكن عقلاً.


(١) الشاطبي، الموافقات: ٤ / ٩١ – ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>