للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تستند إلى الإجماع الذي لا يعرو عن أصل من كتاب وسنة على الصحيح، كما – تستند عند بعض العلماء على الاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان وقول الصحابي، وشرع من قبلنا عند من يقول بهذه الأدلة الثانوية على التفصيل المعروف – في كتب الأصول، فلا نطيل به كل هذا بالنسبة للمجتهد، إلا أنه يوجد دليلان يشترك فيهما المجتهد والمقلد، وهما العرف والقياس المعتمد على تحقيق المناط؛ لهذا فلابد من كلمة تختص بهذين الدليلين.

العرف: هو ما يتعارف عليه الناس كالمعروف والعارفة، وحجية العرف مستفادة من الكتاب والسنة قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١] ، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] وقال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] ، وفي الحديث ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) ، ومن ما يستدل به لحجية العرف السنة التقريرية؛ كتقرير النبي صلى الله عليه وسلم للناس على صنائعهم وتجاراتهم. و "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين " (١) .

وقد أقر صلى الله عليه وسلم – القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية (٢) .

قال القرافي: "وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها " (٣) .

ولهذا اعتبرته المذاهب الفقهية، فقد ورد عن الأحناف رحمهم الله تعالى حمل بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: "الطعام بالطعام "على البر؛ لأنه كان طعامهم ذكر ذلك إمام الحرمين في البرهان (٤) .

وعن مالك أنه خصص قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] بالعرف قائلاً: إن المرأة الشريفة لا ترضع بناء على العرف وهو يوجب الرضاع على غيرها (٥) .

أما الشافعي: (فالذي رآه أن عرف المخاطبين لا يوجب تخصيص لفظ الشارع) (٦) . ولكن الشافعي قد يأخذ بالعرف في ترتيب الأحكام على كلام الناس؛ قال الرافعي: "الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل، وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد. وقال ابن عبد السلام قاعدة الإيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة " (٧) .

أما الإمام أحمد فإنه يقول في الجائحة: "إني لا أقول في عشر ثمرات ولا في عشرين ثمرة، ولا أدري ما الثلث، ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس توضع"، وقال ابن قدامة أنه ظاهر المذاهب (٨) .

ما نقل يدل على أن العرف قد يكون أساساً لاستنباط الحكم فيخصص العام في دليل الاستحسان، إلا أن العرف قد يكون أساساً لتغير الفتوى، لهذا فإن العلماء فيما يتعلق بالعرف لم يفرقوا بين مجتهد ولا مقلد.

قال في مراقي السعود في تعريف الاستحسان: "أو هو تخصيص بعرف ما يعم ورعي الاستصلاح بعضهم يؤم".

ومن الواضح أنهم يرون أن المقلد يتصرف طبقاً للعرف، فيمكن أن يراجع مذهب إمامه على ضوئه، بل إنه يخالف ظاهر النص بسبب اختلاف العرف الذي كان قائماً عليه على خلاف في هذه المسألة لأنه من باب تحقيق المناط، وبهذا الصدد نذكر اختلافهم في تغير العرف بالنسبة لضمان ما أتلفته الماشية، كما في حديث ناقة البراء، فإن على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظ ماشيتهم بالليل، وفي حال تغير العرف بأن كان أهل الحوائط يحفظونها ليلاً وأهل الماشية يحفظونها نهاراً.


(١) متفق عليه.
(٢) رواه مسلم.
(٣) شرح تنقيح الفصول، ص ٤٨٨، ويراجع كتاب (العرف) للشيخ عادل عبد القادر قوته، ص ١٢٩.
(٤) ١ / ٤٤٦.
(٥) القرطبي: ٣ / ١٦١.
(٦) البرهان: ١ / ٤٤٦.
(٧) السيوطي في الأشباه والنظائر، ص ٦٧.
(٨) المغني: ٦ / ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>