للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السيوطي: "كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلاً ومواشيهم نهاراً فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس وجهان والأصح نعم " (١) .

كذلك نجد أن أبا يوسف يرى جواز معيار العد فيما معياره الوزن عند تغير العادة مع ورود النص. قال الدر المختار: "وما نص الشارع على كونه كلياً: كبر وشعير وتمر وكل وملح، أو وزنيّا: كذهب وفضة فهو كذلك لا يتغير أبداً. . . إلى قوله: لأن النص أقوى من العرف، فلا يترك الأقوى بالأدنى، وما ينص عليه حمل على العرف وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً ورجحه الكمال ".

قوله: ورجحه الكمال حيث قال: عقب ما ذكرناه ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف، لأن قصاره أنه كنصه على ذلك وهو يقول يصار إلى العرف الطارئي بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص، حتى لو كان صلى الله عليه وسلم حيًّا نص عليه، وأطلل ابن عابدين حيث أوضح "أن النص معلول بالعرف فيكون هو المعتبر في أي زمن كان " (٢) .

قال ابن القيم في (تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) : "هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم (٣) .

قال القرافي في (الأحكام) : "إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس هذا تجديداً للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهليه الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد " (٤) .

وتحقيق المناط:

والمناط: هو العلة من النوط إلى التعليق، فالحكم معلق بها تقول ناط به نوطأ؛ أي علقه قال حسان:

وأنت زنيم نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

ويقال: هو منه مناط الثريا أي بعيد، وهو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع علة حكم ما في محله بنص أو إجماع، فيبين المجتهد وجودها في الفرع (٥) . قال في مراق السعود: تحقيق علة عليها ائتلفا في الفرع تحقيق مناط عرفاه؛ كتحقيق الطوافة في الفأرة فيحكم لها بحكم الهرة. وهو تطبيق القاعدة الشرعية المتفق عليها أو المنصوص عليها.


(١) الأشباه والنظائر، ص ٦٧؛ العرف لعادل قوته، ص ٢١٥.
(٢) حاشية ابن عابدين: ٤ / ١١٢.
(٣) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٣ / ١١.
(٤) القرافي، الأحكام، ص ٢١٨.
(٥) شرح مختصر الروضة: ٢ / ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>