للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما جرى عمل أهل قرطبة برد عمل السفيه قبل الحكم عليه بالسفه بأمر بعض الأمراء. قال في نظم العمل:

ثم بقرطبة بالرد جرى

عملهم بأمر بعض الأمرا

- إذاً فالعمل الفقهي القطري من خصائص المذهب المالكي، حيث رجحوا به الضعيف ومحوا به السقيم.

وهذه أقوال أهل المذهب في الترجيح بالعمل وفي تعريفه وأسباب جريانه وشروط إجرائه، قال الشيخ المسناوي: "وإذا جرى العمل ممن يقتدي به بمخالف المشهور لمصلحة وسبب فالواقع في كلامهم أنه يعمل بما جرى به العمل ممن يقتدى به، وإن كان مخالفاً للمشهور، وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب، وإلا فالواجب الرجوع إلى المشهور، هذا هو الظاهر " (١) .

قال السجلماسي نقلاً عن ابن فرحون في تبصرته: "كثيراً ما يوجد في كتب الموثقين في المسألة ذات الأقوال الذي جرى به العمل كذا.

ونصوص المتأخرين متواطئة، على أن ذلك مما يرجح به القول المعمول به ". (انتهى وباختصار كثير) .

والمراد بالعمل بالقول حكم الأئمة به واستمرار حكمهم، قال الشيخ مصطفى في آخر باب القضاء من حاشيته نحوه قول الأجهوري في آخر باب الفلس: "إن المراد بما به القضاء ما عمل به القضاة وحكموا به فهو في جملة ما به العمل".

وإذا كان القول المعمول به راجحاً بالعمل لم يجز للقاضي ولا للمفتي العدول عنه، وإن كان ما يعدل عنه مشهوراً.

قال سيدي عيسى السجستاني في نوازله – بعد أن وجه العمل الجاري في مسألة ذكرها -: فإذا اتضح لك توجيه ما جرى به العمل لزم إجراء الأحكام عليه، لأن مخالفة ما جرى به العمل فتنة وفساد كبير.

وفي مسائل النكاح في الدر النثير عن الشيخ أبي الحسن: أن القاضي لا يقضي بين المالكية إلا بمشهور المذهب، أو بما صحبه العمل من الموثوق بعملهم ودينهم. ففي العطف بأو فيهما دليل على أنه يقضى بالمشهور ما لم يجرِ العمل بغيره، فإن جرى بالشاذ قضى به وترك المشهور.

قال القاضي سيدي محمد المجاصي في بعض أجوبته: وخروج القاضي عن عمل أهل بلده ريبة قادحة، لكن يقتصر من العمل على ما ثبت، ويسلك المشهور فيما سواه.

وقال سيدي عبد الله في مراقي السعود:

وقدم الضعيف إن جرى عمل

به لأجل سبب قد اتصل (٢)

ومن المهم أن نعرف لماذا عدل العلماء عن المشهور والراجح إلى القول الضعيف؟ والجواب كما يقول السجلماسي في شرحه: "إن أصل العمل بالشاذ وترك المشهور الاستناد لاختيارات شيوخ المذهب المتأخرين لبعض الروايات والأقوال لموجب ذلك كما بسطه ابن الناظم في شرح تحفة والده ومن الموجبات تبدل العرف أو عروض جلب المصلحة أو درء المفسدة فيرتبط العمل بالموجب وجوداً وعدماً ولأجل ذلك يختلف باختلاف البلدان ويتبدل في البلد الواحد بتبدل الأزمان " (٣) .


(١) البناني: ٥ / ١٢٤.
(٢) نشر البنود: ٢ / ٣٣٣.
(٣) شرح نظم العمل المطلق: ٢ / ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>