للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وما أشار إليه من تغيير العمل استناداً لاختيارات الشيوخ، يدل على أن العمل قد ينشأ عن اجتهاد ترجيحي، بمعنى أن الشيوخ قد يلاحظون ضعف مستند القول المشهور في المذهب، فيعتمد قولاً ضعيفاً قوي مستنده، وهي مسألة لم يعرج عليها كثير ممن اهتموا بالعمل قديماً وحديثانً وقد وجدت لها أمثلة من ذلك: مسألة اشتراط الخلطة لإيجاب اليمين على المدعى عليه.

وهي مسألة تعتمد على زيادة غير ثابتة في حديث: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة)) ، وقد رفض علماء الغرب الإسلامي العمل بإيجاب الخلطة، فأوجبوا اليمين بدونها، قال البناني: "واعلم أن العمل جرى بثبوت اليمين، ولو لم تثبت خلطة، قاله أبو الحسن وابن عرفة وغيرهما " (١) .

وقال الشيخ محمد المامي الموريتاني في مقدمة كتابه في عمل بلاد شنقيط الذي سماه كتاب البادية: "وما ألجأني إلى جذع نخلة هذا العلم الغريب إلا مخاض ضرورات أهل البادية وعوائدهم وهم قطر من المسلمين لهم ضرورات وعوائد والضرورات والعوائد مما تبنى عليه الأحكام "وقال: "إن اتباع نص الرواية في بعض النوازل من الجهل".

وأنشد من قصيدته (الدلفينية) التي يرد به على مخالفيه من علماء القطر:

وللنوازل أحوال وأزمنة

تنوعت مثل أحوال الأزامين

فيكشف الغم تنزيل الخلاف على

حالين أو زمني ما هو مفتون

وبعض العلماء في شنقيط لم يوافقوا على بعض ما يجري به عمل الناس، وقد ألف سيدي عبد الله صاحب مراقي السعود كتابه: (طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض العمل) .

فمما سلف ندري أن العمل يجري لعرف أوضرورة أو مصلحة أو ترجيح. وللعمل شروط لإجرائه، ذكرها الهلالي في نور البصر، ونظمها النابغة الغلاوي الشنقيطي في نظم الطليحية حيث قال:

شروط تقديم الذي جرى العمل

به أمور خمسة غير همل

أولها ثبوت إجراء العمل

بذلك القول بنص ما احتمل

والثاني والثالث يلزمان

معرفة الزمان والمكان

وهل جرى تعميماً أو تخصيصا

ببلد أو زمن تنصيصا

وقد يعم عمل بأمكنة

وقد يخص وكذا في الأزمنة

رابعها كون الذي أجرى العمل

أهلاً للاقتداء قولاً وعمل

وحيث لم يثبت له الأهلية

تقليده يمنع في النقلية

خامسها معرفة الأسباب

فإنها معينة في الباب

فعند جهل بعض هذي الخمس

ما العمل اليوم كمثل أمس

وقد نص الشيخ ميارة في شرحه للامية الزقاق على ثلاثة شروط؛ وهي: أن يكون العمل صدر من العلماء المقتدى بهم، وأن يثبت بشهادة العدول المثبتين في المسائل، وأن يكون جارياً على قوانين الشرع وإن كان شاذاً) (٢) .


(١) البناني: حاشية علي الزرقاني: ٧ / ١٣٧.
(٢) شرح العمل المطلق للسجلماسي: ٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>