للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وما ذكره ميارة رحمه الله تعالى غير واضح؛ فكيف يعرف كونه موافقاً لقوانين الشرع وهو قول شاذ، إلا أن يكون أراد بالقوانين القواعد الشرعية الكلية وأصول الاستنباط، وقد استعملها ابن رشد الحفيد في ذلك حيث قال: "ونحن نذكر من هذه المسائل ما اشتهر الخلاف فيه بين الفقهاء ليكون ما يحصل من ذلك في نفس الفقيه يعود كالقانون والدستور الذي يعمل عليه فيما لم يجد فيه نصاً عمن تقدمه، أو فيما لم يقف على نص فيه لغيره" (١) .

وهناك استدراك آخر، وهو أنهم نصوا جميعاً: على أن المقلد الصرف لا يجوز له أن يحكم بالشاذ ولا بالقول الضعيف، بل إنه إذا عدل عن الراجح والمشهور نقض حكمه، وقد جرى العمل بهذا في حواضر الغرب الإسلامي قال صاحب عمل فاس سيدي عبد الرحمن الفاسي:

حكم قضاة الوقت بالشذوذ

ينقض لا يتم بالنفوذ

وقال السجلماسي:

ومنذ دهر وزمان انقضى

كان بإفريقية والي القضا

محجراً عليه أن لا يحكما

إلا بما شهر عند العلما

وغير ما تشهيره منقول

هو عن الحكم به معزول

ونقل في شرحه ما نقل المازوني في نوازل الجامع من درره المكنونة، وهو ما نقله ابن المشاط في قول الإمام ابن عرفة: إنما يعتبر من أحكام قضاة العصر ما لا يخالف المشهور في المذهب. وقد تبعه على هذه المقالة تلميذه الشيخ الحافظ أبو القاسم البرزلي، حيث قال: الذي جرى به العمل أن لا يحكم القاضي بغير مشهور مذهب مالك وقد وقع ذلك في زمان السيوري ففسخ حكم القاضي، ووقع في زمان الشيخ أبي القاسم الغبريني ففسخ حكم حاكم بشاذ من القول إذا لم يكن القاضي من أهل العلم والاجتهاد، لأن كل من كان مقلداً لا يعرف وجوه الترجيح لا يجوز له أن يحكم بالشاذ، وهو معزول عنه ويفسخ حكمه، وإنما يحكم بغير المشهور من القضاة من ثبتت له وجوه الترجيح. . . إلى آخر كلام البرزلي (٢) .


(١) بداية المجتهد مع الهداية: ٧ / ٣٣٢.
(٢) شرح السجلماسي للعمل المطلق: ٢ / ١٠١ – ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>