للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار السجلماسي إليه في نظم العمل المطلق حيث قال:

ومن أقام شاهداً أو أكثرا

غير عدول إن ذا العبد البرا

ملك له مكن مما يطلب

من وضع قيمة له ويذهب

به لبينته واللطخ في

ذا العهد عند أهل فاس منتفي (١)

وقد يجري العمل بقولين فيضطر للترجيح كمسألة من مكثت عاماً في بيت الزوجية، ويتصادقان على نفي المسيس فلها قيل: الصداق كاملاً، وقيل: لا بل نصفه، وبهما قد عملا والأول الأشهر.

- هل يعمل بالقول الضعيف الذي لم يصحبه عمل؟

أكثر العلماء يقول: إنه لا يجوز به العمل وحكى في نشر البنود الاتفاق على ذلك من أهل المذهب وغيرهم، خلافاً للقاضي (لعله الباقلاني فعند الإطلاق عند الأصوليين فهو الباقلاني، مع أنه في مراقي السعود قد يطلقه على القاضي عبد الوهاب البغدادي) إلا إذا كان العامل به مجتهداً مقيداً ورجح عنده الضعيف فيعمل به ويفتي ويحكم (٢) ، وقد ذكر ذلك الهلالي في نور البصر، ونظمه النابغة في الطليحية في أداب الفتوى حيث قال:

ولم يجز تساهل في الفتوى

بل تمنع الفتوى لغير الأقوى

وكل من يكفيه أن يوافقا

قولاً ضعيفاً لم يجد موافقا

وكل عالم بذاك عرفا

عن الفتاوى والقضاء صرفا

إلا أن البناني والدسوقي ذكرا أن منع الفتوى بالضعيف إنما هو من باب سد الذرائع؛ فتجوز الفتوى به عند الضرورة، ويجوز أن يفتي صديقه بالضعيف لأنه يتحقق ضرورته (٣) .

أما سيدي عبد الله في مراقي السعود فضبط مسألة الفتوى بالضعيف بقوله:

وذكر ما ضعف ليس للعمل

إذا ذاك عن وفاقهم قد انحظل

بل للترقي في مدارج السنا

ويحفظ المدرك من له اعتنا

ولمراعاة الخلاف المشتهر

أو المراعاة لكل ما سطر

وكونه يلجى إليه الضرر

إن كان لم يشتد فيه الخور

وثبت العزو وقد تحققا

ضراً من الضربه تعلقا

فالشروط أربعة: أن تلجئ إليه الضرورة، وأن لا يكون القول المعمول به ضعيفاً جداً، وأن تثبت نسبته إلى قائل يقتدى به علماً وورعاً، وأن تكون الضرورة محققة.

قال في الشرح: "ولذلك سدوا الذريعة، فقالوا: تمنع الفتوى بغير المشهور خوف أن لا تكون الضرورة محققة، لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف إذا تحققت الضرورة يوماً ما "وهو كلام البناني الذي نقله عن المسناوي (٤) .

وقد اختلفت عبارات الشافعية فيما يتعلق بالقول الضعيف الذي يقابل الراجح، فقد قال الشبر ملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: "وهو موافق في ذلك لقولهم للعمل بالراجح واجب فما اشتهر من أنه يجوز العمل لنفسه بالأوجه الضعيفة كمقابل للأصح غير صحيح".

وعلق عليه الرشيدي بقوله: "ففي فتاوى العلامة ابن حجر رحمه الله ونفعنا به ما ملخصه بعد كلام أسلفه، ثم مقتضى قول الروضة وإذا اختلف متبحران في مذهب لاختلافهما في قياس أصل أمامهما، ومن هنا تتولد وجوه الأصحاب، فنقول: بأيهما يأخذ العامل فيه ما في اختلاف المجتهدين. أي فيكون الأصح التخيير أنه يجوز تقليد الوجه الضعيف في العمل، ويؤيده إفتاء البلقيني بجواز تقليد ابن سريح في الدور وأن ذلك ينفع عند الله تعالى، ويؤيده أيضاً قول السبكي في فتاويه: يجوز تقليد الوجه الضعيف في الأمر نفسه بالنسبة للعمل في حق نفسه لا الفتوى والحكم، فقد نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه يجوز) (٥) . اهـ


(١) شرح نظم العمل المطلق: ١ / ٢٧٠.
(٢) نشر البنود: ٢ / ٢٧٥.
(٣) الدسوقي، حاشية الدردير: ٤ / ١٣٠.
(٤) البناني: ٥ / ١٢٤.
(٥) ١ / ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>