للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مر عن الأحناف قول بعضهم: لا حيلة إلا العمل بالرواية الضعيفة ومنازعتهم في ذلك بقولهم: إن العمل بالقول الصحيح هو الواجب. لكن تقدم عنهم ترك قول الإمام إذا كانت فتوى الشيوخ على خلافه. ومثاله: "فإذا شرط على المزارع أو ربها الحصاد أو الدياس فسدت (المزارعة) من أيهما كان البذر في ظاهر الرواية، وفي النوازل جاز على قول الإمام الثاني رحمه الله تعالى: وعلى قول الثاني استقر الفتوى بين أئمة خوارزم. . إلى قوله: وجوزه مشايخ بلخ " (١) ، ومحل الشاهد أن عبارة استقرار الفتوى بين أئمة من خوارزم إنما هو نوع من إجراء العمل.

- فإن البحث العملي للاستفادة منها سيكون بثلاث طرق:

١ - الطريق الأول:

بدراسة الفتاوى وتصنيفها إلى مجموعات بحسب معتمد الفتوى وطريقة الاستنباط، فعلى سبيل المثال يمكن تصنيف الفتاوى إلى ثلاثة نماذج، وذلك بحسب تصنيف المفتين:

- فتاوى تعتمد الينبوع الأصلي من الكتاب والسنة والقياس وأقوال الصحابة والتابعين وتمثل هذا النموذج فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث يعتمد اعتماداً واصباً على الكتاب والسنة وأقوال السلف، يصحح ويرجح ويحيي أقوالاً للصحابة والتابعين شبه مهجورة إذا ظهر له أنها أسعد بالدليل والقواعد، وهو لذلك يقرر أن الإجماع لا ينعقد بعد خلاف الصحابة، وهو مذهب أبي الخطاب والحنفية، خلافاً للقاضي وبعض الشافعية (٢) .

وقد اختلف المالكية على قولين: أحدهما الباجي في الفصول اختار فيه، أن الإجماع بعد الخلاف يرفع الخلاف قائلاً: "فإن ذلك يكون إجماعاً تثبت الحجة به، هذا قول كثير من أصحابنا "وأنكر القول الثاني بقوة (٣) .

أما أبو الحسن بن القصار، فقد مال إلى أن الخلاف باق بعد ذكر القولين، قائلاً في مقدمته في علم الأصول: "والجيد وهو الذي يختاره شيخنا أبو بكر بن صالح الأبهري رحمه الله أن الخلاف باقٍ " (٤) .

وقد نبهت على هذا، لأن كثيراً من الناس يستشكل بعض فتاوى ابن تيمية حيث يدعي البعض انعقاد إجماع في محل الخلاف وهو موضوع يجب أن يحرر وتكاد فتاوى ابن تيمية تكون المجموعة الفريدة بعد عصر المجتهدين التي ارتفعت عن التقليد وسمت عن مجرد النقل عن الأئمة إلى مرتبة الاستنباط والتصرف في الأدلة تفصيلاً لمجمل وتأويلاً لمشكل وترجيحاً عند تعارض.

- النموذج الثاني من الفتاوى هو فتاوى مجتهدي المذهب والفتيا: وهذه الطبقة تعتمد مذهب إمامها لكنها ترجح في نطاق المذهب وفي بعض النوازل تستشهد بالكتاب والسنة تعضيداً لما تذهب إليه وتتصرف تصرف المجتهدين إلا أن الغالب على هذه الطبقة أنها لا تخرج عن المذهب ولكنها تختار وتستظهر وتضع القواعد وتقسم وتقيس وتخرج وتمثل هذه الطبقة فتاوى ابن رشد وهو يلجأ إلى ذلك غالباً في قضايا يلج فيها النزاع بين جمهرة العلماء، فترفع إليه أو يرد فيها على من انتقد قوله في مسألة.

أما النموذج الثالث:

فهو طبقة المقلدين لا ترتقي في استدلالها إلى نصوص الشارع، ولكنها تعتمد على روايات المذهب وأحياناً على أقوال المتأخرين وتخريجاتهم كفتاوى قاضيخانة من الأحناف وعليش من المالكية وغيرهما وهو النموذج الشائع الفاشي في القرون الماضية.


(١) فتاوى قاضيخان: ٦/ ٩٢ بحاشية الفتاوى الهندية.
(٢) شرح مختصر الروضة: ٣ / ٩٥.
(٣) كتاب الفصول، ص ٤٢٥.
(٤) المقدمة، ص ١٥٩، تحقيق السليماني.

<<  <  ج: ص:  >  >>