ثم أفاض في مسألة جلب المصالح والمنافع ودرء المفاسد، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة في ذلك.
وذكر الفتوى ومراحلها، وقال: إن الفتوى هي تطبيق للأحكام الشرعية على النوازل والوقائع بما يحقق مصالح الناس في ضوء وقاعد الشريعة ومبادئها ونصوصها.
وذكر مراحل الفتوى هي مراحل جيدة وجميلة فبدأ بأبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وبعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وكما يشير إليه في عنوان بحثه، فقد ذكر هذه المراحل عند السلف ثم أعقبها بالخلف، ويقول: ثم مرت بعد ذلك بالفقه مرحلة أصيب فيها بالركود، وعدم الاجتهاد، وذلك بعد القرون الأربعة الأولى، فقد جاء قوم اطمأنوا بالتقليد ودب التقليد في صدورهم دبيب النمل وهم لا يشعرون، وهو ينقل عن حجة الله البالغة.
ثم بعد ذلك تحدث عن أدلة المذاهب وكيف أن أبا حنيفة يقدم الحديث الضعيف على القياس بل إنه قدم أحاديث متفق على ضعفها عى القياس، كحديث القهقهة في الصلاة، وذكر أقوال الأئمة في ذلك والحديث المرسل والبلاغات وقول الصحابي، وذكر اختلاف الرأي بين رأي صحيح ورأي باطل، وذكر أنواع الرأي الباطل.
وذكر فضيلته ما يضمن الاجتهاد من الزلل، وقال: "ولضمان سلامة الاجتهاد من النزلل وصونه من الفوضى في عصورها المتأخرة، فإن الشيخ عبد الوهاب خلاف بالغ في منع الاجتهاد الفردي، وجعل حق الاجتهاد للجماعة فقط إذا توافرت فيهم الأهلية "، هذا الاجتهاد الجماعي الذي ذكرناه من قبل ركز عليه وكما ذكره الشيخ خليل أيضا سنرى الموقف منه، ومع أنه له أهمية بالغة في تضييق دائرة الخطأ. وذكر بعد ذلك أحكام الشورى وجعلها دالة على الاجتهاد الجماعي، وهو أمر أعتقد أنه ناقشه فيه الشيخ محمد الحاج الناصري مناقشة مستفيضة قد لا يتسع الوقت لعرضها.
وتحدث بعد ذلك عن مراعاة مقاصد الشريعة، وذكر كلام العز بن عبد السلام في (القواعد والأحكام في مصالح الأنام) وقال: ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل ... إلى آخر الذي تعرفونه جميعا.
وبعد ذلك عرف المصلحة الحقيقية والتي هي مدلول عليها بالنص، ثم ناقش الطوفية مناقشة طويلة في موقفه من المصلحة الموقف المعروف، وذكر في ذلك بحث الدكتور سعيد رمضان البوطي في كتاب (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية) ، وأفاض في النقل من هذا البحث إلى أن انتهى هو أيضًا إلى زيادات على ما ذكره الشيخ سعيد البوطي، وكل هذه الصفحات تتعلق بالرد على الطوفي في مسألة المصلحة التي جعلها مطلقة، والحقيقة أن المصلحة يجب أن تقيد لكونها من نوع المصالح التي يعتبرها الشرع أو من نوع المفاسد التي يدرؤها الشرع.
ثم ذكر في النهاية اعتبار العرف والعادة وذكر في ذلك أقوال العلماء التي تعرفونها والتي ذكرها غير واحد من الباحثين، وهو مع هذا يتفق مع غيره لكلام القرافي – رحمه الله تعالى – وغيره.
وذكر شروط العرف المعتبر وهي: أن يكون مطردا، وأن يكون عرفا عاما. وذكر بعد ذلك قاعدة (رفع الحرج) وقابلها بأن مطلق المشقة حاصلة في العبادة، وهو أمر جيد وجميل.
ثم ذكر أخيرا سد الذرائع وقال: إنه من المسائل التي تجب مراعاتها وهو من الأصول القطعية، وقد عرفه القرافي بأنه (حسم مادة وسائل الفساد دفعًا لها) . وذكر كلام ابن القيم في سد الذرائع. وذكر خاتمة وهو الوحيد من الباحثين الذي ذكر خاتمة، وقال فيها: وخلاصة القول: إن ترك الأمور في مجال الفتوى سائبة وبالأخص في عصرنا الذي رأينا فيه عجبًا سيخلف في الأمة فوضى لا نهاية لها، وسيتصدى للفتيا من ليس بأهل، وسيصعب بسبب ذلك على العامة تمييز الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والحلال من الحرام، وإننا لنشاهد اليوم كثيرا من ذوي الجرأة على الله تعالى يقتحمون هذه المفاوز دون بصيرة ولا هدى، فيضلون ويضلون، ودون أن يضعوا أنفسهم في مكانها الصحيح ويردوا الأمر إلى أهله.