كما لا ينبغي أن توصد الأبواب أمام من هو أهل للقيام بهذه الوظيفة العظيمة من أهل العلم والمعرفة والتقوى، ليبصر الناس بأمور دينهم، ويحل معضلاتهم، ويهديهم عند الحيرة، ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان، حتى لا يقعوا فريسة الجهل والشبهات التي يروجها أعداء الإسلام، ولا يلجؤوا إلى سلوك الطريق البعيد عن هدى الله سبحانه، وكلما صدرت الفتوى عن جماعة توافرت في كل منهم شروط الاجتهاد كان ذلك أدعى إلى ندرة احتمال الخطأ وأضمن لإدراك الحق والصواب، والاهتداء إلى معرفة مراد الله سبحانه فيما يعرض عليهم من قضايا، كما أنه يقلل من ظاهرة الخلاف بين أهل العلم وتباين آرائهم، إذ أن اجتماعهم يتيح لهم فرصة تداول الآراء واستعراض الأدلة وتمحيصها، ومعرفة أقوال من سبقهم من أهل العلم، وعند التجرد للحق والترفع عن الهوى والتعصب للرأي أو المذهب، والتحلي بالتقوى والخوف من الله تعالى، يصبح المرء خاضعا للحق مستسلما له عادلا عن رأيه إيثارا لغلبة الحق وعلوه ورغبة في الحرص على الوصول إليه، وهذا كله مما يجعلهم أهلًا لأن يمنحهم الله تعالى مزيدا من التوفيق والسداد، ويلهمهم الصواب، ويجري الحق على ألسنتهم وينير بصائرهم. ولله الحمد في الأولى والآخرة.
وبعد ذلك بحث الدكتور محمد سليمان الأشقر: تحدث أولاً عن الفتوى والإفتاء، وذكر الفتاوى والنوازل، ثم بعد ذلك ذكر المسألة والسائل، والنوازل حدّدها، والواقعات عند الحنفية وبمعنى النوازل عند المالكية، وأهمية الإفتاء في النوازل، وبيان أحكام الفتوى والوقائع.
وقال فضيلته: "ومن هنا ذهب بعض أهل العلم – وإن كان لا يوافق على ذلك – إلى أن العامي ليس له أن يقيم ببلد لا يجد فيها مفتيًا". وذكر أهمية منصب الفتوى بأنه لا يجوز تركه شاغرًا؛ لأنه فرض على الكفاية كغيره. وذكر حقيقة الإفتاء في النوازل وحلّله إلى إلى ثلاثة عناصر وهي:
١- معرفة الحكم.
٢- تطبيق الحكم.
٣- النطق بالحكم (الإخبار بحكم الواقعة لمن سأل عنه) .
وبعد ذلك ذكر النظر في الاجتهادات الفقهية الصادرة عن العلماء المتقدمين والمتأخرين، وموقعه من فقه النوازل، وتحدث عن هذه الاجتهادات، وتحدث بالذات عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بأن من قال قولاً سائغًا ولو خرج عن أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الإيمان والطلاق وغيرهما مما ثبت النزاع فيه بين علماء المسلمين بأن هذا القول يسوغ له أن يُفتي به.
ذكر أن من شروط المجتهد التي يغفل عنها بعض أهل الأصول أن يكون المتصدي للاجتهاد قد تبحر في دراسة الاجتهادات السابقة، وعرف مواقع الاختلاف والإجماع، وتمرس في المقارنة بين الأقاويل الفقهية. وذكر كلام ابن عبد البر، وكلام الموافقات.
تعرض للمفتي في النوازل وذكر أقوال أهل المذهب الحنبلي، واختلافهم في فتيا المقلد في الكتب المذهبية. وقال: إن السائر في المذهب الحنبلي وغيره أن فتياه لا تصح كما أن قضاءه لا يصح. وقال: ليس لأحد أن يُفتي في دين الله إلا أن يكون عارفًا بكتاب الله، ثم ذكر شروط ذلك.
وبعد ذلك تحدث عن الإفتاء الجماعي – ولي كلمة قد تكون بالنسبة لي شخصيًا إذا صاغ لي أن أتدخل أقول: إنها أقرب إلى قلبي من الاجتهاد الجماعي؛ لأن الاجتهاد هو جهد شخصي – ذكر الإفتاء الجماعي وذكر أهميته واستدل عليه بأدلة الشورى التي استدل بها غيره من الإخوة على ما يسمى بالاجتهاد الجماعي.
ذكر أثر فقه النوازل في نمو الثروة الفقهية الإسلامية، وقال: إن فقه النوازل هو الرافد الأكبر لثروة الفقه الإسلامي. ويوضح ذلك أن القرآن نزل منجمًّا. وتحدث عن فقه النوازل واشتراط المسائل وتشقيقها والتوريدات في الشروح والحواشي والتعليقات والتقريرات والذي هو صنيع بعض أهل المذاهب.