وذكر نشاط الفقهاء الحنابلة في فقه النوازل، واقتصر على المذهب الحنبلي، وذكر مسائل صالح ابن الإمام أحمد، ومسائل عبد الله ابن الإمام أحمد ومسائل الكوسج، ومسائل أبي داود والمسائل التي تعرفونها جيدًا.
وذكر أنه انتدب لجمع ما روي من المسائل عن الإمام أحمد: الشيخ أبو بكر الخلال. وذكر كثيرًا من المسائل فيما يتعلق بهذا الموضوع، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كلام الإمام أحمد كثير منتشر جدًا، وقلّ من يضبط جميع نصوصه في كثير من المسائل لكثرة كلامه وانتشاره وكثرة من كان يأخذ العلم عنه. وأبو بكر الخلال قد طاف البلاد وجمع من نصوصه – أي نصوص أحمد – في مسائل الفقه نحو أربعين مجلدًا، وفاتته أمور ليست في كتبه".
ثُم ذكر مجموعات الفتاوى في العصور اللاحقة في المذهب الحنبلي، وأسند إلى الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد) أربعًا وعشرين مجموعة من مجموعات فتاوى الفقه الحنبلي، وذكر هذه الفتاوى القاضي أبو يعلى، إلى آخر القائمة المعروفة عندكم.
وقال: "ولا يشك المطلع المنصف أن أجمع هذه المجموعات من الفتاوى وأحسنها وأكثرها تحقيقًا ونفعًا هي مجموعة شيخ الإسلام ابن تيمية"، فهذا رأي شاطرته فيه في بحثي بل قلت: إن هذه المجموعة مجموعة فريدة من بعد القرون الأولى، هي المجموعة الفريدة التي ترجع إلى الكتاب والسنة مباشرة ومناقشة الأدلة في جو من الاجتهاد المطلق والحرية الكاملة.
في النهاية تكلم عن الحسبة وتكلم عن الأحكام السلطانية (فقه السياسة الشرعية)
وهكذا كان بحثه لطيفًا ولم يكن طويلاً.
وانتقل بعد ذلك إلى بحث فضيلة الشيخ وهبة الزيحلي، وأشار في ديباجته إلى حركة التجديد التي لم تتوقف وإن شهدت صعودا وهبوطا، نماء وركودا، مشيرا إلى الثورة الهائلة من فتاوى الأحناف والمالكية مراعاة للأعراف ومراعاة للعمل عند المالكية وما يشبهه من الأحكام السلطانية.
ففي البداية حدد خطة بحثه فقال: غاية البحث تحديد خصائص وضوابط الفتاوى والنوازل والعمل الفقهي، وبيان سبل الاستفادة منها، بحيث يسهم ذلك في تجديد حيوية الفقه للاستفادة منه في التطبيقات المعاصرة، وتكون خطة البحث كما يأتي:
- تحديد المراد بالنوازل والواقعات أو العمليات.
- الفرق بين الإفتاء والقضاء.
- الفرق بين الاجتهاد والإفتاء.
- آراء العلماء في ضرورة مراعاة البينة والأعراف والمصالح ونحوها.
- الثوابت والمتغيرات في الشريعة
- ما يلزم المفتي مراعاته أو شروط الإفتاء.
- ضوابط الفتوى بالنوازل (الضوابط العشرة) .
وهذه الضوابط العشرة من أهم ما في البحث، والبحث كله مهم، ولأجل ذلك هذه البحوث لم تكن لها خلاصات لأنها خلاصات.
قال بعد ذلك: المراد بالنوازل والواقعات أو العمليات: الفارق المتميز بين مدرسة أهل الكوفة أو العراق بزعامة الإمام أبي حنيفة قال: إن تلك المدرسة تولد المسائل والمدرسة الأخرى تقتصر على ما هو واقع فعلا. ثم فرق بين الإفتاء والقضاء بالتفريق الذي تعرفونه من كون المفتي مخبرا عن الله – سبحانه وتعالى – والقاضي ملزما ومنفذا عنه تعالى، فالإخبار بالفتوى كمن يترجم، والحكم إلزام كنائب يعلمون، وهذا مني ولكنه له.
الفرق بين الاجتهاد والإفتاء. هنا فرق بين المجتهد والمفتي والفقيه، وهو فرق لم يساعده عليه الشيخ محمد الحاج الناصر، وبينهما تداخل لا شك في ذلك بين المفتي والمجتهد، والمجتهد في الأصل هو المفتي.
تحدث بعد ذلك عن الثوابت والمتغيرات في الفقه أو الشريعة وقال: إن الأحكام ثوابت ومتغيرات. وبين معنى الثبوت وأن الثوابت لا تتغير ولا تتبدل، وذكر الشعائر في كونها ثوابت والتراضي في العقود وتحريم أكل أموال الناس بالباطل. وذكر النصوص المتغيرة وقال: إن التغيير يكمن في ثلاثة عناصر، وهذه العناصر هي:
١ – نص معلل بعلة ثم تتغير علته.
٢ – النص العرفي المراعى فيه حال المبادلة القائم.
٣ – الأحكام التي روعي فيها تنظيم بين المال.
وأما المتغيرات أو القابلة للتغير فهي الأحكام الاجتهادية المبنية على قاعدة.
ذكر أمثلة فساد الزمان بما أفتى به المتأخرون في كثير من المسائل أو في بعض المسائل التي بسبب فساد الزمان أفتى الناس فيها، وهو رأي أيضا ناقش فيه الشيخ الناصر، ورأيه فيه شيء بالنسبة للمذهب المالكي؛ لأنه هو حنفي.