بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أتوجه بالشكر للباحثين وللسيد العارض، ولا داعي لتكرار ذلك فقد أصبح معروفا، والمعروف كالمشروط نصا، إنما أود أن أتحدث باختصار شديد عن نقاط مهمة.
البحث كله – فيما أرى – يدور حول محور واحد هو سبل الاستفادة من فقه النوازل والواقعات، ثم ألحق بها كلمة (الفتاوى) . فالفتاوى مصدر كبير يؤخذ منه النوازل والواقعات. والذي يبدو لي أن هذا منوط بإيجاد لجنة – هذا اقتراح – تحمل هذا المشروع فتصنع أولا موسوعة مذهبية في كل مذهب من المذاهب لفقه النوازل والواقعات، ثم تكلف لجنة أوسع منها بدمج هذه الموسوعات كلها في موسوعة واحدة مرتبة حسب الترتيب الأبجدي إن تيسر ذلك، وإن لم يتيسر نبقى على الموسوعات المذهبية حتى تتيسر الاستفادة من هذه الكنوز والذخائر الموجودة في المذاهب وهو ما يسمى بفقه النوازل والواقعات. وهذا شيء كثير مخبوء في كتب المذاهب وفي كتب الفتاوى أيضا. هذا مجرد اقتراح، فإن رأت الأمانة العامة ورئاسة المجمع الموقرة هذا الأمر فجزاهم الله كل خير وهذه مأثرة من مآثرهم.
هنالك قضية أخذ جواب واقعة أو نازلة تخريجا على واقعة أو نازلة أخرى تشبهها في مذهب آخر من المذاهب الفقهية المعتبرة المدونة. هذا ما توقف فيه بعض إخواني وزملائي على أنهم اجتهدوا في ذلك، فالذي أراه – والله أعلم – فيما يبدو لي ترجيح الجواز في أخذ الجواب واقعة أو نازلة من مذهب آخر ليخرج عليها جواب واقعة أو نازلة أخرى في المذهب الذي نحن فيه. فمثلا لا مانع أن يؤخذ جواب نازلة أو واقعة في المذهب الحنبلي ليخرج عليها مثل ذلك إذا كان هنالك نظيرها في أي مذهب آخر، هذا لا مانع منه؛ لأن المذاهب كلها إنما هي جداول من شريعة واحدة؛ وهي الشريعة المحمدية المطهرة (الإسلام) ، وما المذاهب إلا أغصان وفروع من هذه الدوحة الباسقة التي جذورها في الأرض وفرعها في السماء، وقد فعل مثل ذلك الأئمة –رضي الله عنهم – أئمة المذاهب، كما يروى عن أبي يوسف في قضية الحمام، قال:"نقلد فيها أخانا الشافعي "رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا كثير له نظائر وأمثلة لدى الأئمة الأولين من أئمة المذاهب – رضي الله عنهم -.
ثم قضية أخرى هي قضية فقه النفس ومعرفة الواقع، وهذان شرطان متميزان ذكرهما إخوتى وزملائي الأعزاء من أهل العلم والفضل وإني خادمهم، أقول بهما وأزيد أنه لا يجوز أن يتكلم في الفتيا وأن يتصدر لها من ليس متخصصا في الفقه الإسلامي وأصوله، ومن لم يقرأ على العلماء ومن لم يصاحب الأشياخ وليست له إجازات معتبرة خاصة وعامة، فقد أصبحنا اليوم ونحن في عصر يتكلم في الدين وفي الفتيا من هب ودب، من يصلح ومن لا يصلح، المتخصص وغير المتخصص، بل ربما تكلم في ذلك أناس لا علاقة لهم بالعلوم الإسلامية أبدا، ولم يدرسوها لا على أستاذ ولا في كونية بحتة، كل ما لديهم ثقافة عامة مبتسرة ينطلقون منها نحو الفتيا وهذا أخطر شيء، فمن تصدر للفتيا وهو ليس أهلا لها كان آثما شرعا، ويحجر عليه وهو من يسمى بالمفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس، كما تعلمون أيها السادة العلماء، فالتخصص شرط بالإضافة إلى فقه النفس ومعرفة الواقع.
هذا الشرط أردت أن أزيده على ما تفضل به إخواني العلماء، جزاهم الله خيرا، وذاكرت أخي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان – حفظه الله – في قضية تشخيص عمل النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته الكريمة فقلت لعلك تريد كتاب (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الإحكام وحكم تصرفات الإمام) لشهاب الدين القرافي، فقال: نعم، وهو مطبوع محقق، وهو أصل فيما ذهب إليه فضيلته – جزاه الله عنا كل خير -.
وأما كتب الواقعات والنوازل فكثيرة جدا في جميع في المذهب الحنفي يما يظهر لي، فالكثرة موجودة متوفرة في المذاهب كلها، أما المذهب الحنفي فربما تميز بالكثرة الكاثرة، لأنه كان مذهب الدولة في كثير من العصور كالعصر العباسي والعصر التركي وما شاكل ذلك فكثرت فيه كتب النوازل والواقعات والفتاوى. وكتب الفتاوى مهمة جدا في هذا الموضوع وتعتبر أصلا على أساس أن الفتوى قد تكون نازلة وقد لا تكون. فليست كل فتوى بنازلة أو واقعة – كما نعلم جميعا – وإنما النازلة فتوى، والواقعة كذلك فتوى، والفتوى تعم النازلة والواقعة وتشمل غيرهما.
والله تعالى أعلم، وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.