أشكر لفضيلة الشيخ ابن بيه عرضه الذي قدمه، ولي ملاحظة من خلال قراءاتي للأبحاث المعروضة والتعقيبات. أبدؤها بالتعقيب الذي قدمه الأستاذ الناصر على بحث الدكتور عبد الوهاب الديلمي / فالدكتور الديلمي استدل على الإفتاء والاجتهاد الجماعي الذي يعتمد التشاور بين المجتهدين، واستدل بالآيات التي فيه الأمر بالشورى نحو قوله تبارك وتعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩] ، وقوله تبارك وتعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: ٣٨] . قال الأستاذ الناصر:"لا يمكن فهم كلمة (الشورى) إلا في الأمور السياسية ". الحقيقة أن هذا الأمر لا يسلم لعدة أمور، لأن سبب النزول وإن كان في بعض الغزوات وفي أمور هي من قبيل السياسة كما ذكر الأستاذ إلا أن هذه الحادثة تتعلق بطاعة الله وطاعة رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فهي من قبيل الأحكام حتى وإن كانت وردت في شأن من شؤون السياسة.
الأمر الثاني: أن كثيرا من الأحكام وردت على سبب خاص، ولكن العبرة – كما هو المعتمد عند جمهور العلماء – بعموم النص. والنص هنا يدل بعمومه على شمول أمور السياسة وغيرها، لأن قوله تبارك وتعالى:{وَشَاوِرْهُمْ}[آل عمران: ١٥٩] أمر تسلط على قضية الشورى التي ارتبط بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩] اللفظ هنا قوله {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩] لفظ مفرد اقترنت به الألف واللام الجنسية فهو صيغة من صيغ العموم، كما هو مقرر في أصول الفقه.
إضافة إلى أن الأستاذ الناصر قال:"إن الشورى من الأمور المندوبة "، وهو بذلك يرد على الباحث الذي يرى أن قوله تبارك وتعالى:{وَشَاوِرْهُمْ}[آل عمران: ١٥٩] أمر والأمر يقتضي الوجوب كما هو المقرر ما لم يصرفه صارف. يقول بأن هذه الشورى من قبيل الأمور المندوبة وليست من قبيل الأمور الواجبة والحقيقة أن هذا فيه مخالفة لظاهر اللفظ، لأن اللفظ كما قلنا الأمر، والأمر يقتضي الوجوب من ناحية، ومن ناحية أخرى قوله تبارك وتعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: ٣٨] هذا خبر لكنه يفيد الأمر لأنه يبين حال وشأن هذه الأمة.
ثم بعد ذلك أقاويل العلماء الثقات تدل على أن الشورى ليست من باب الأمور المندوبة، بل هي من عزائم الأمور كما ذكر الماوردي والقرطبي وغيرهما من علماء المسلمين قالوا: إن الشورى من عزائم الأمور، وهي تكون في الأمور الكبيرة وتكون في الأمور الصغيرة.
أحببت أن أبين هذه النقطة مع شكري للأستاذ الناصر على تتبعه لهذه الأبحاث التي كتب عنها، وأستمحيكم العذر.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما أريد أن أشير إليه أن هذا الموضوع الذي هو الاستفادة من النوازل والفتاوى يفيد المجمع في تحقيق ما يصبو إليه من الحكم على المستجدات العصرية، والسبب في ذلك أن الفتاوى كانت ميدانا لبحوث الفقهاء، حيث تضيق كتب المدونات الدورية من متون وشروح وحواشي عن الإفاضة في التعرض للوقائع العملية إذ يتقيدون ببيان المسائل الفقهية وأدلتها وعلى سبيل النظر والتنظير، ولكن حينما يكتبون الفتاوى فإنهم يعالجون الوقائع القائمة، ولذلك نجد في كتب الفتاوى – التي فيها بسط طبعا وليس التي فيها اختصار وإيجاز – نجد فيها كثيرا من الحلول التي يستأنس بها في القضايا العصرية المستجدة.