الاعتبار الثالث: أن هذا يمثل تراثنا ويمثل أصولنا ولا يمكن للإنسان بحال أن يتجاوز أصوله وتراثه إلا لضرورات واعتبارات تقتضي ذلك، عند ذلك يمكن التجاوز لكن من حيث المبدأ والأساس لا يجوز التجاوز. وعلى كل حال فإن نظرنا في تلك الفتاوى هنالك فتاوى في مسائل لا تختلف باختلاف الزمان والمكان كما تعلمون، وهي المسائل المتصلة بالثوابت، يعني مسائل الأحوال الشخصية: الزواج، الطلاق، الأيمان والنذور، والمأكولات والمشروبات، لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، وبالتالي نستفيد من الفتوى الموجودة في مثل هذه الحالة. الأحكام التي تعتمد على التقدير لعدم اختلاف الزمان والمكان، ولأن الشارع الحكيم جعل مبناها غالبا على الاجتهاد بعد وضع الأصول العامة فيها كالمعاملات هذه يمكن أن نستأنس ونستفيد ونقيس ونخرج فيها آراء الفقهاء.
هنالك مسألة أود الحديث عنها، فبالأمس ذكرت كيفية استخدام القواعد الفقهية، والقواعد الفقهية حقيقية هي فعلا استخلاص من الفروع الفقهية، وقد جاءت بعد الفقه، لكن هذه القواعد بعد أن جاءت بعد الفقه واستخلصت يستفاد منها، وتعتبر هوادي ومعينة عند النظر الاجتهادي، ولهذا صدرت بها مجلة الأحكام العدلية، وكثير من قوانين المعاملات، فليس معنى أنها جاءت بعد الفقه ألا يستفاد منها في الفقه. تفيدنا اليوم في التخريج وفي حركتنا الاجتهادية ولابد من الاستئناس والاستفادة منها.
أمر أخير فيما يتصل بالمصطلحات الأصولية. أمس في موضوع الصيانة هل هي من الضروريات أو ليست من الضروريات؟ العقود كلها يذكر الأصوليون أنها من الحاجيات، فمشروعية العقود كلها من باب الحاجة، لأنها تدفع العسر وترفع المشقة وتحقق اليسر، هذا من حيث المبدأ كعقود تعتبر من باب الحاجيات، لكن قد يأخذ الأمر وضعا آخر باعتبار أنه ضرورة أو حاجة أو لاعتبارات أخرى، لكن كعقد هو من باب الحاجيات، والصيانة فيما أعتقد أنها تعتبر أمرا مكملا في الحقيقة، بمعنى أنها إما أن تدخل في مكمل الضروري، وهي مثل التماثل بالنسبة للاختصاص كما يذكر الأصوليون، أو هي الكفاءة بالنسبة للزواج لأنها تابعة لغيرها. وبناء على ذلك فهي بحسب الشيء المصون، قد يكون الشيء المصون حاجيا فتكون مكملة لهذه الحاجية، وقد يكون ضروريا فتكون مكملة لهذا الضروري، وقد تكون الصيانة لأمر تحسيني فتأخذ أيضا هذا الوضع.
هذا ما أردت قوله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
شكرًا الأخ الرئيس، وشكرًا للمجمع الفقهي الذي طرح هذا الموضوع المهم الذي تقوم عليه جميع المهام، وتقوم عليه جميع أعمال المؤتمرات الفقهية. وكنت أود أن أعقب على نقطتين:
النقطة الأولى: التي تعرض له الشيخ القرضاوي بأن لا تكون الفتاوى قائمة على الهوى، وألا تكون متأثرة بنزوات سياسية أو دنيوية، ونذكر بعضنا بعضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) . بهذا أكتفى بالنقطة الأولى.