أما النقطة الثانية: فهي حول الاجتهاد الجماعي، وقد لاحظت أن بعض الأخوة الفضلاء يتحفظون من هذا التعبير، وأقول: إن ديننا الإسلامي اعتبر الإجماع مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي، فنحن نريد أن نسير بروح الإجماع، وإن لم يتحقق الإجماع في أيامنا هذه فعلى الأقل حينما يصدر رأي شرعي أو تصدر فتوى على الأقل أن يشارك فيها أكبر عدد ممكن من العلماء، وما المجمع الفقهي إلا صورة عن الاجتهاد الجماعي وتوحيد الفتوى التي نحن بحاجة ماسة إليها وبخاصة في هذه الأيام، لأن أي فتوى تصدر في هذه الأيام تتناقلها أجهزة الإعلام، ويترتب على ذلك أن الجماهير الإسلامية في العالم تطلع عليها وتسمع بالمقابل فتوى مناقضة من عالم آخر فيقع الناس في حيرة من أمرهم، وهذا ما يؤدي إلى ضعف موقف العلماء والمفتين لدى الجماهير المسلمة. فنحن بحاجة إلى الخروج بفتاوى جماعية أو شبه جماعية بحيث لا نوقع العامة من الناس في مشاكل وفي ارتباك.
وإن الموضوع المطروح حاليا للمناقشة حول القضايا المعاصرة ويترتب على ذلك أن تحصر المناقشات فيما يستفاد من هذه القضايا المعاصرة، وهذه مسئولية كبيرة على العلماء في هذا العصر؛ وخاصة أن الجماهير الإسلامية في العالم تواقة لأن تشاهد دور العلماء في المجتمع وأن ينزلوا من الأبراج العاجية والعالية إلى الشارع ليقولوا قولتهم في قضايا كثيرة مستجدة.
وإنني إذًا أثني على أقوال الإخوة الذين أعطوا للاجتهاد الجماعي أهميته، كما أدعو جميع الدول العربية والإسلامية بتشكيل مجالس عامة للفتوى في بلادهم حتى على الأقل تكون الفتوى في كل قطر موحدة، وأنا أعلم جيدا أن بعض الدول العربية والإسلامية تسير على هذا المنهاج، وكذلك بالنسبة إلى فلسطين فهناك مجلس يعرف بمجلس الفتوى الأعلى لبحث القضايا المستجدة وللخروج برأي موحد حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.
مرة أخرى أشكر المجمع على طرحه لهذا الموضوع المهم والحساس، وأتمنى وآمل أن يخرج المجمع بتوصية تؤكد على الاجتهاد الجماعي وعلى الإجماع المتقارب بين العلماء لتكون الفتاوى – إن شاء الله – فتاوى مستندة إلى الكتاب والسنة وأن تكون موضوعية، وحينئذ سيلتزم الناس بها طواعية وبمحبة وإيمان وتقدير للعلماء العاملين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وشكرا لكم، والسلام عليكم.
الشيخ محمد علي التسخيري % % %:
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن أوضح الموقف خصوصا فيما يطرحه بعض أعزائنا وسادتنا من أسئلة. أود أن أذكر بعض النقاط حول ما طرحته في المقال.
قبل كل شيء أود أن أعرض أمام السادة العلماء بأن لدي بالخصوص مشكلتين أساسيتين:
المشكلة الأولى: أن هناك اختلافا كبيرا في مصطلحات الفقه الإمامي عنها في المذاهب الأخرى، وهذا الأمر يولد لي في كثير من الأحيان بعض الإشكالات.
المشكلة الثانية: في المذهب الإمامي لا يقلد عالم عالما على الإطلاق، فعندما تدرس أي مسألة لا ينظر أحدهم -وهو يعيش في القرن العشرين- إلى ما قاله الشيخ الطوسي أو الشيخ المفيد أو كذا وكذا، وإنما يتأيد به فقط.
ومن الطبيعي أن أقع في مشكلة عرض كل هذه الآراء الممتدة عبر التاريخ، ومن هنا فأنا أميل لذلك الرأي المشهور، ثم أذكر رأيي أحيانا، وحينئذ فسوف يؤدي هذا أحيانا إلى مخالفة المشهور.
أعود إلى المقال وأذكر منهجيا أن الفقيه في الفقه الإمامي يتجه أولًا لبيان فتواه الشرعية الكاشفة عن رأي الشارع في القضية دون ملاحظة أي ظروف طارئة، وهو يتحدث كالفقه الحنفي يطرح فرض المسألة ويكتشف حكمها وتستنبط حكمها من الكتاب والسنة الشريفة. هذا ما يقال طرح القضية على نحو القضية الحقيقية. أما عندما يواجه بمشكلة أو واقعة أو قضية خارجية مطروحة هنا يتحول إلى الحكم السلطاني يتحول إلى ولي هذا الفقيه وينطلق كأنه ولي فيصدر حكمه الولائي، وهذا كما حدث في مسألة من المسائل عند عقد ناصر الدين شاه اتفاقا مع شركة غريبة ضخمة على حصر التنباك وشرائه منها، فأصدر المرحوم الشيرازي الكبير وكان يسكن في سامراء أصدر حكما بحرمة التعامل مع هذه القضية، وحينئذ فحتى زوجات الشاه كسرن النار جيلة التي شرب بها التنباك آنذاك، فعندما اعترض الشاه على زوجته لماذا فعلت؟ من الذي أمرك؟ قالت: أمرني الذي حللّني لك وحكم بحليتي لك. على أي حال هذه مسألة مهمة ولاية الفقيه عندما تطرح هناك اتجاهات عندنا، اتجاه يقول: إن كل فقيه إذا وصل إلى مرحلة ما من الفقه.
الرئيس:
يا شيخ يا ليتك تعفينا بالجواب معلوم والولاية معلومة.
التسخيري:
هناك اتجاه يقول كل فقيه ولي ولكن عندما ينتخب الفقيه يجب أن يطيعه الآخرون واتجاهي أنا واتجاه البعض أن الفقيه الذي ينتخب هو الولي. يعني يشترط في ولي الأمر أن يكون فقيهًا. هذا هو الرأي الذي أتبناه بقوة.