ذكرت الأحكام الأولية والقانوية والولائية. الأولية ما يثبت للشيء بمقتضى نفسه حكم الصلاة الوجوب، وحكم الخمر حرمة الشرب، الثانوية في مصطلحنا ما يثبت للشيء بعد طرو عنوان آخر عليه، يعني ما أشار إليه سماحة الشيخ من أنه كالرخصة، الرخصة بعض الحكام الثانوية. الضرر، الحرج، الاضطراد، لكن هناك أحكام ثانوية ملزمة، يعني قد يكون الشيء مقدمة للواجب، وقد يكون مقدمة للحرام كما في سد الذرائع فيحرم، وقد يكون مزاحما في العمل فيصدر عليه حكم المزاحمة. هذه أمور إلزامية، وليس يرادف الرخصة كما تفضل سماحة الشيخ ابن بيه، وقد نسيت أن أشكره شكرًا جزيلا على عرضه.
الأحكام الولائية هي الأحكام السلطانية المعروفة التي يصدرها الحاكم إما في منطقة المباحات أو يعبر حتى منطقة المباحات إلى منطقة الإلزاميات عندما يحدث تزاحما. التزاحم أيضا هو مصطلح ربما وقع فيه خلط، والتزاحم هو نوع من تزاحم الأحكام عند الامتثال وليس عند الشارع الغصب حرام، إنقاذ المسلم الغارق واجب، يقع تزاحم، على أن أنقذ هذا الإنسان الغارق بعبور منطقة هذه المنطقة لا يرضى صاحبها، يقدم هنا الأهم وهو إنقاذ المسلم على المهم وهو حرمة الغصب فارتكب الغصب لإنقاذ المؤمن. فإذن هو في مقام الامتثال كما استفاده. لذلك ضربت أمثلة للتعارض بين المضيق وبين الموسع، ومعنى ذلك أنهما حكمان عند الامتثال.
في مقالي تحدثت بنوع من الإسهاب عن مرونة نظام الحكم الإسلامي وأشرت إلى نقطة أرجو أن نبحث فيها أكثر وهي المؤشرات التي يعطيها الإسلام للحاكم الإسلامي ليملأ هذه المنطقة على ضوئها. {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] ، مؤشر يضيف للحاكم اتجاه التشريع الإسلامي، وما إلى ذلك، هذا بحث أراه مهما وحبذا لو ركزنا عليه.
هناك ملحوظة: نحن عندما نريد أن نبني دولة تقنن الأحكام الإسلامية، حرمة الربا تقنن عندما يوضع نظاما مصرفيا لا ربويا. هذا التقنين وفرضه على المجتمع يحتاج إلى حكم من الحاكم، ومن ولي الأمر حتى يصبح لهذه الصيغة حكما يجب الالتزام به.
أريد أن أشير إلى ما أشار إليه الدكتور عبد الوهاب. أشكره جدًّا على ما نبهني إليه من لزوم البحث أكثر في قضايا تشخيص موقف الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام من القضايا، هل هو موقف ولائى، أم هو موقف في مقام إبلاغ الحكم الشرعي وما إلى ذلك؟ هذه أمور أنا استفدت منها،. وكذلك أشار إلى أن من أسباب الاختلاف، هذا الاختلاف، أشكره كذلك على ذكر هذا المعنى، وأضيف أنه من أسباب الاختلاف اختلاف الفقهاء في منهج الاستدلال، هذه مهمة جدا. هل الرجوع أولا لهذا الأصل الفقهي إلى أصول الفقه أو ذلك أو العكس هو الرجوع؟ السير في المنهج الفقهي له دوره الكبير في مسألة الاختلاف.
أشرت في بحثى إلى أن حكم الحاكم الشرعي إلهي. لا ريب هو حكم صدر بمقتضى سماح إلهي، الله تعالى أجاز لولي الأمر أن يملأ هذه المنطقة وفق مصلحة الأمة هو حكم إلهي. قلت إنه لا تجوز مخالفته عملا بلا ريب، يعنى حتى المجتهدون الآخرون يجب أن يطيعوا حكم ولي الأمر وإن كان لهم أن يبدوا رأيهم، يعني لهم الحق، يعني هنا مسألة الطاعة العملية يجب إطاعة حكم ولي الأمر ليكون القرار الصادر قرارا واحدا.
أشرت أيضا إلى أن الحكم الحكومي حكم أولي مقدم على الأحكام الفرعية.
مصطلح الأحكام الفرعية هما في مقابل أحكام الأصول، يعني نوعان من الأحكام عندنا. هناك حكم كلي أصولي، مثل حجية الاستصحاب، وحجية الخبر الواحد، وحجية السيرة وما إلى ذلك، هذه حجيات وأحكام أصولية، وما عدا ذلك كل ما يتصل بعمل المكلف يسمى حكما فرعيا لا علاقة له بأهمية ذلك العمل. نحن أيضا نعتقد أن الإسلام بُني على الصلاة والصوم، ولكن المصطلح الفرعي هنا المقابل الأحكام الأصولية وليس فيها أي تقليل من أهمية هذه الأحكام.
جئنا إلى مسألة التزاحم التي أشار إليها الدكتور وهي مسألة مهمة. التزاحم كما قلت لكم تزاحم الأحكام في مقابل الامتثال لدى المكلف، هذا التزاحم تارة فرديا كالمثال الذي أشرت إليه. هناك وفاء بالدين فوري، وهناك أداء للصلاة في وقت موسع إذا تزاحما يقدم الأداء الفوري على الحكم الآخر، ثم بعد ذلك يأتي ويعود ويصلي لأنه موسع. أو مسألة التزاحم بين حكم الغصب وحكم إنقاذ الغارق هذا عمل فردي.