للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما نصعد إلى مستوى العلم الاجتماعي نجد أن ولي الأمر هو الذي يشخص الأهمية في التزاحم، ولي الأمر يجد أن هناك مصلحة يعني هناك حكم إلهي وهناك حكم إلهي آخر، وقد تزاحما حينئذٍ يدخل بصفته ولي الأمر وبعد المشورة ليقدم. لنفرض أن هناك تزاحما بين ذهاب حجاجة في هذا العام وبين مصلحة إسلامية عليا مسألة الجهاد مع عدوه ويريد أن يغزو هذه الأرض ويسلبها كاملة. هنا في هذه المرحلة يبقى وهو الفقيه العادل الولي الكفء يبقى في تزاحمه بين حكمين، هنا لا يقال إننا قللنا من أهمية الحج وإنما المسألة مسألة أهم ومهم ولا يمكن القيام بأحدهما فماذا نفعل؟ ضربت مثلا وقلت مسألة الربا. الآن لو توقف مسألة تعطيل تعميم الحكم اللاربوي في دولة حديثة جديدة توقف على تأخيرها إلى سنة أو سنتين وإلا لانهار النظام الاقتصادي بكامله وسقط النظام الإسلامي نفسه فماذا يفعل الحاكم الشرعي في هذا المعنى؟ بطبيعة الحال يقدم الأهم والمهم، وهذه قضية مقبولة لدى كل الفقهاء بل لدى كل العقلاء على الإطلاق.

هذه مسألة التزاحم مسألة مهمة جدا، ولعلنا نستفيد من هذه مسألة هدم مسجد ضرار، المسجد لا يجوز هدمه لكن إذا كانت تترتب عليه آثار سيئة كبرى، قتل من تترس بهم الكفار من المسلمين، لو فرضنا تترس بألفين وتوقف الفتح على قتلهم ألا يفتي الفقهاء بقتل هؤلاء والحصول على الفتح وإلا لهزمت البلاد وقتلت الملايين؟ يعنى هناك نوع من التزاحم يبدو واقعيا عندما نعرضه بدقة. ألسنا نعصب مثلا كما قلت لإنقاذ مسلم؟ إلى آخره.

هناك نقطة مهمة وهي مسألة انتخاب الفتوى الملائمة. ولي الأمر يريد أن يفتي في نازلة وقعت، فتواه شيء وفتوى غيره شيء آخر، هو يجد أن المصلحة الإسلامية العليا تقتضى أن يختار فتوى غيره مثلا أو يعمهم فتواه، يعني ويحول فتواه إلى حكم، ينقل فتواه الفقهية (نظره الفقهي) إلى حكم للأمة إلى قانون، وهو ولي الأمر له هذا الصلاح بأن ينتخب فتواه أو فتوى غيره لتعميمها في المجال الآخر.

هناك نقطة أرجو أن يلحظها أخي الدكتور وهي مسألة التلفيق. أنا نسبت التلفيق إلى المذاهب الأربعة وقلت خالفت مذهبي وهو القائل بلزوم تقليد الأعلم. خالفت ذلك لأني لا أقول بلزوم تقليد الأعلم وأيدت ما هو عليه العمل في المذاهب الأربعة، الإنسان الذي يتبع أي مذهب من المذاهب يمكنه أن يقلد هذا العالم في مسألة أو هذا المذهب في مسألة أخرى، يبدو ما أشار إليه الدكتور في الأحكام التركيبية كالصلاة. لو فرضنا أن عالما ً مثلا فرض شيئا وشرطا في الركوع وعالما آخر فرض في الركعة الثالثة رأيا آخر، فإذا صليت صلاة اتبعت في جزء منها عالما وفي جزء آخر عالما آخرا حينئذ أنا في الواقع صليت صلاة باتباع عالمين، لكن هذه الصلاة مرفوضة من قبل العالمين لاختلافهما في هذا المعنى. هنا يوجد اختلاف في أنه هل علي أرضي كل المفتين في حكمي التركيبي أو المفتي الواحد في حكمي التركيبي أم لا؟. أما في الأحكام التي هي غير مركبة يمكنني أن أنتخب حكما أو فتوى من هذا العالم، وحكما أو فتوى من العالم الآخر.

أشير في نهاية حديثي إلى المذهب، هناك اتجاهات اليوم كبرى تحتاج إلى استنباط. اتجاه معرفة المذهب الاقتصادي الإسلامي أو المذهب الاجتماعي الإسلامي، هذه الاتجاهات تحتاج أن يقوم بها علماء وليس مفكرين، هناك مفكرون لا يملكون القدرة على الاستنباط، يطرحون مسألة اكتشاف هذا المذهب الاقتصادي أو ذلك المذهب الحقوقي، هذه القضية أؤكد على أن يقوم بها مجتهدون والذي يهمنا في هذا المعنى أن نكتشف الخطوط الأساسية التي يمشي عليها، أو الخطوط التي تقف وراء الأحكام الفرعية في الجانب الاقتصادي أو في الجانب الحقوقي.

هذه قضية مهمة جدا وأعتقد أنها تستحق أن تبحث.

شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>