أنا كنت أنتظر هذا ولكن مع تقديري للبحوث القيمة التي كانت جيدة جدا وبذل أصحابه مجهودا كبيرا إلا أنها لم تخرج عن النظريات أو عن الفقه النظري إلى الفقه العملي التطبيقي الذي يبين لنا كيف نسير تطبيقا في المستقبل؟ وهذا ما أراده واضع هذا البحث على نظر السادة العلماء. فهذه أولا كنظرة عامة عن الموضوع.
بجانب هذا أردت أن أبين زيادة على هذا ما تعرضت إليه من قبل وهي قضية (المآلات والمقاصد) ، فعندما يفتي المفتي يجد في كتب الفقه الحكم، لكن الحكم هو حكم مجرد لم ينظر إلى مآلات الفعل أو الوضع الذي عليه الأمة الإسلامية لا يراعي فيه ذلك. فكتب النوازل تعطينا هذه الأنظار البعيدة، فلو استخلص السادة النظارة منهجا يساعد فقهاءنا في النظر في القضايا المستجدة لكان عملا جيدا جدا، وأرجو أن تكون المادة التي قدمت تستكمل حتى نصل إلى وضع هذا المنهج وضوابطه.
الأمر الآخر وهو أمر خطير جدا تعرض له صديقي العلامة الشيخ محمد الناصر وقال: إنه كلام - قطعا - يحرك أو يدغدغ عواطف العلماء ولماذا؟ وأن علينا أن نعتمد على الكتاب والسنة. إن رزقه الله هذا المستوى فهنيئا له، والحمد لله الذي برز بيننا عالم يستطيع في عصرنا هذا أن يرجع إلى الكتاب والسنة فقط ويعطينا حلولا لمشاكلنا، لكن الذي حققه الفقهاء في طيلة الأعصار على أن الفقهاء ليسوا من هذا النوع، عندنا فقيه مجتهد مطلق وهو الرجل الذي استطاع أن يبين منهجا في الاستنباط، فنظر في الأدلة ليتخير منها ما يتخير، ويعتمد ما يعتمد ويقدم ما يقدم، ويؤخر ما يؤخر، وهذا هو المجتهد المطلق، ثم يأتي مجتهد المذهب وهو الذي ينظر كنظر إمامه لكن لا في المنهج، وإنما في القرآن والسنة والقواعد التي أسسها مذهبه، بعد هذين انتهى، فكل الفقهاء الذين جاؤوا بعد ذلك إنما هم ينظرون في أقوال المتقدمين ليؤيدوا ما يؤيدوا أو يزيدوا حكما جديدا، بينما القسم الأول هو قد يخالف إمامه عندما ينظر أما ما بعدهم فهم لا يخالفون أئمتهم. ثم بعد ذلك يأتي المخرجون عن المذاهب كالإمام اللخمي وغيره في مذهب مالك، ثم بعد ذلك يأتي الفقهاء الذين ينظرون في كتب المذاهب، وهذا فضل كالثروة، فعندنا من يستطيع أن يسكن قصرا وعندنا من يستطيع أن يسكن خيمة، فكيف يطلب مني وأنا لا أستطيع أن أسكن خيمة أن أسكن القصر الذي يسكنه هو؟ لكل شخص ما رزقه الله من الذكاء ومن النباهة ومن العلم ومن الفطنة، وألا يحجر علينا إذا كنا لم نستطع أن نصل إلى مستواه.