أمر آخر أريد أن أبينه هو قضية جاءت في أثناء الحديث أن أحد علماء المالكية أفتى الخليفة بأن عليه أن يصوم شهرين متتابعين. القضية معروفة هي قضية يحيى بن يحيى الليثي المصمودي وكان كبير رجال الفتوى في عهده وما كان يستطيع أحد أن يتكلم أمامه، لأنه هو إمامهم وشيخهم. جمعهم عبد الرحمن الناصر وقد وقع فيما وقع فيه يطلب الفتوى فقال يحيى ابن يحيى وقال له: ليس لك إلا أمر واحد وهو أن تصوم شهرين متتابعين، فلما خرج سئل عن ذلك وقيل له: أنت إمام في مذهب مالك ومذهب مالك هو التخيير، فلماذا عدلت عن التخيير؟ قال: إني أخاطب فقيرا لا خيار له لأن الأموال التي بين يديه ليست مالا له وإنما هي أموال سرقها من المسلمين، فعليه أن يصوم فأنا طبقت الواقع أو مذهب مالك على الواقع؟.
أمر آخر وهو نقطة نظام أرجو من السيد الرئيس أن يتمسك بها، وهي أنه إذا كان انتهى البحث في قضية من القضايا، ثم ذهبت لجنة الصياغة لصياغة ما تريد أن تقوله هنا انتهى البحث، فإذا أراد شخص آخر أن يثير القضية من جديد فليس له ذلك، لأنه إذا أثارها فمعنى ذلك أجيبه أيضا، ثم أطلب من لجنة الصياغة أن تجتمع مرة أخرى، وهذه سلسلة ليست من التنظيم ولا من نجاعة العمل.
ما أريد أن أقوله أخيرا هو أن كتب النوازل أخذت أسماء فأخذت اسم الفتاوى تارة واسم المعيار تارة، ونجد المعيار للونشريسي، ونجد المعيار للوزاني، وأخذت كتب البرامج فقيل برنامج، وعندنا من كتب البرنامج الممتازة والمهمة وليته يطبع ففيه من الآراء والشجاعة الشيء العجيب، وهو برنامج الشيخ عضوم من علماء القرن الحادي عشر في القيروان، فهو رجل عجيب جدا في فتاواه وفي تنزيله وفي اعتبار الوقائع. هذه كلها أردت أن أقول إنه عندما ينظر في هذا الموضوع يجب أن يضاف إلى هذه النواحي النظرية البحث أيضا في المكتبات الإسلامية وتكوين قائمة لهذه الكتب حتى يعرف أهل المشرق، وأهل المغرب ذخائرهم.
شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
هناك قضية عامة وقضية بحث هذا اليوم.
أما القضية العامة فمن المعلوم أن المجالس العلمية ينبغي أن تعتمد على أصول من الحرية في النقاش والمداولة في الرأي، وألا تكون هناك مصادرات على الرأي وإلا لم يكن لمثل هذا المجلس أية قيمة لتخليه عن مبدأ الشورى الذي قامت عليه هذه الشريعة. وبناء على ذلك فإني أعتبر أن المجمع مسؤول إذا قرر في توصياته شيئا يمس دولة من الدول، وحينئذ المسؤولية توجه إليه، أما البحوث العلمية فينبغي أن تمتاز بحرية آراء أصحابها وألا يطوى منها شيئا، وكذلك المناقشات التي تدور في هذه الجلسة ينبغي ألا تهمل بحال من الأحوال وإلا كان ذلك نوعا من الإرهاب الفكري وهذا ما لا يقره الجميع.