شيء ٠آخر وهو ما يتعلق بموضوع البحث. الدكتور خليفة قال:"حبذا لو كانت هذه البحوث وتتكلم عن المذاهب المختلفة "ولعله لم يطلع على كتب التكليف التي جاءتنا من الأمانة العامة. وألزمت كل باحث أن يبحث النوازل والواقعات والفتاوى ضمن إطار مذهب معين أو مذهبين، فلذلك نحن تقيدنا بهذا التوجيه.
أمر آخر وهو أن الموضوع الذي نتكلم في شأنه ومعالي الرئيس كان قد أكد على ضرورة الالتزام بفحوى هذا الموضوع وسار على توجيهه الأخوة الذين تفضلوا بالنقاش وهم الدكتور عبد الستار، والدكتور خليفة، والشيخ عكرمة، وختامهم فضيلة الشيخ السلامي، وأنه ينبغي أن نلتزم في مضمون هذا العنوان وهو أن نلتمس ونتتبع ونحصى ونستقرئ الواقعات والنوازل لدى فقهائنا خصوصا المتأخرين، ثم نبني عليها ما نحتاجه من التخريجات في القضايا المعاصرة.
وفي ضوء هذا الاتجاه حينئذ ينبغي أن نستفيد من أهمية هذا الموضوع، ولذلك ما طالب به فضيلة الشيخ السلامي حققته في بحثي، وإنني ذكرت الضوابط التي يمكن استنباطها من الوقائع والنوازل الماضية، وهي تصلح أن تكون منطلقا وأساسا للعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، ولكني لا أوافقه في أن مذهب الإمام مالك حينما اعتبر عمل أهل المدينة سببا في الرد أو عدم أخذه بحديث خيار المجلس. فالإمام مالك في الثماني وأربعين مسألة في موطئه حينما يخالف الأحاديث إنما يعتبر عمل أهل المدينة حجة وبمثابة النص، وما يرويه جماعة عن جماعة يكون له حكم التواتر فيفضل ويقدم على ما يرويه صحابي أو راوٍ واحد، ومن خطأ كثير من الناس أنهم حينما قال بعضهم: ينبغي أن يعزز الإمام مالك لتركه حديث رسول الله وخصوصا في حديث خيار المجلس كان غير دقيق في هذا الحكم، لأن رأي الإمام مالك في إجماع أهل المدينة هو بمثابة الحديث المتواتر فيقدم على خبر الآحاد. وبناء على ذلك فلا يصلح الاستناد إلى عمل أهل المدينة في قضية الواقعات والنوازل التي هي آراء فردية وفتاوى المتأخرين فلا يصح أن نقيس هذه النوازل على ذلك العمل المشهور والمقرر عند المالكية.
فيما يتعلق بقول فضيلة الشيخ الشيباني:"أن فقهاء المدينة السبعة أفتوا بإباحة التسعير "، يا ليته لو رجع إلى أي كتاب من كتب تاريخ التشريع أو تاريخ الفقه الإسلامي لوجد أن ما ذكرته الفقه الإسلامي لوجد أن ما ذكرته هو المقرر في هذه الكتب وأنهم فعلا أفتوا لتغير مناط الحكم لا لرد الحديث، ولذلك هذا أمر دقيق ينبغي أن يعلم في مثل قضية المؤلفة قلوبهم، فالإمام عمر لم يعطل النص كما يدعي هؤلاء الإباحيون وإنما هو فهم مدلول النص وأن التأليف حيث لا يوجد له مسوغ حينئذ لا يعمل به، وكذلك التسعير حيث لا يوجد له مسوغ لا يعمل به وإن وجد المسوغ جاز العمل به، وهذا ما أفتى به فقهاء المدينة السبعة.