للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذه النشأة التاريخية ما لبثت أن مرت في مراحل من التطور، فأصبحت الثورة على الكنيسة ورجال الكهنوت ثورة على الدين نفسه، وكفرًا به، إلى أن قال (نيتشه) (١٨٤٤ - ١٩٠٠) قولته المشهورة: (قد مات الإله) ، وأصبح تنظيم شؤون الحياة والناس لا علاقة له بتعاليم الدين، وراج شعار (الإنسان يصنع تاريخه) . وربما كان هذا التغير في موقف العلمانية ومعناها هو السبب في الاختلاف في فهم كثير من الناس لها وفي موقفهم منها. فإن فُهمَت على المعنى الأول فنحن - المسلمين - معها، إذ لا كنيسة عندنا ولا كهنوت، وإن فُهِمَت على المعنى الثاني فهي منافية للدين منكرة لله عز وجل، ولا يقبل بها مسلم مؤمن.

وهذا الذي ذكرناه عن العلمانية هو الحداثة بعينها، وهو يُدخِلنا فيها من أوسع أبوابها، ذلك أن ما قاله (نيتشه) وما ذكرناه من أن (الإنسان يصنع تاريخه) هما من أسس الحداثة وركائزها. بل لقد ذهب بعضهم إلى أن تعريف الحداثة: هو أن (الإنسان يصنع تاريخه) (١) مع تأكيد كلمة (الإنسان) وأن (هذا القول بمثابة شهادة ميلاد الحداثة، وتحديد مجال تساؤل الفكر الاجتماعي) (٢) ، وحتى نستكمل توضيح هذا العنصر العلماني من عناصر الحداثة نحتاج إلى أن نستمر في اقتباس عبارات من أصحاب هذا المذهب، فأحدهم مثلًا يتساءل (٣) : (

هل أصبح من الممكن ربط مختلف إنجازات المعرفة الفرعية ودمجها في تفسير موحد للواقع الاجتماعي ككل؟) ويجيب بقوله: (للإجابة على هذا السؤال طابع فلسفي بالضرورة، لقد كان لإجابة جميع فلسفات العوالم القديمة - أي السابقة على الحداثة الرأسمالية - طابع ميتافيزيقي صريح. فكانت هذه الفلسفات تؤكد أن هناك نظامًا يحكم الكون ويفرض نفسه على الطبيعة والمجتمعات والأفراد، فأقصى ما كان يمكن أن يحققه البشر - فرادى وجماعات - إنما هو اكتشاف أسرار هذا النظام، بواسطة صوت الأنبياء، وإدراك مغزى الأحكام الميتافيزيقية المضمرة، فالطاعة لها) .


(١) سمير أمين، مقال في مجلة الكرمل، رام الله، العدد (٥١) ربيع (١٩٩٧) ، بعنوان (تجاوز الحداثة أم تطويرها) ، وقد ذكر في الحاشية أن المقالة (من دراسة بعنوان: مناخ العصر، رؤية نقدية، قدمت في ندوة عقدها في القاهرة مركز البحوث العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع بين ١٣ و١٥ مارس -آذار١٩٩٧م) .
(٢) سمير أمين، مقال في مجلة الكرمل، رام الله، العدد (٥١) ربيع (١٩٩٧) ، بعنوان (تجاوز الحداثة أم تطويرها) ، وقد ذكر في الحاشية أن المقالة (من دراسة بعنوان: مناخ العصر، رؤية نقدية، قدمت في ندوة عقدها في القاهرة مركز البحوث العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع بين ١٣ و١٥ مارس -آذار١٩٩٧م)
(٣) سمير أمين، مقال في مجلة الكرمل، رام الله، العدد (٥١) ربيع (١٩٩٧) ، بعنوان (تجاوز الحداثة أم تطويرها) ، وقد ذكر في الحاشية أن المقالة (من دراسة بعنوان: مناخ العصر، رؤية نقدية، قدمت في ندوة عقدها في القاهرة مركز البحوث العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع بين ١٣ و١٥ مارس -آذار١٩٩٧م)

<<  <  ج: ص:  >  >>